النص الذي كتبه المسرحي البريطاني الإيراني الأصل حسين أميني كان مقرّراً أن يكون فيلماً، لكن فشل فيلم «سولو: قصة من حرب النجوم» (2018)، جعل شركة «ديزني» تقرر أن تحوّله إلى مسلسل قصيرٍ من ست حلقات لتبثّه على «ديزني بلس». يأتي مسلسل «أوبي وان كينوبي» حاملاً اسم أحد الأبطال الشهيرين من سلسلة «حرب النجوم» التي بدأها المخرج الأميركي المعروف جورج لوكاس عام 1977 مع ثلاثية: «الجزء الرابع: أملٌ جديد» ليتبعها عام 1980 مع «الجزء الخامس: الإمبراطورية ترد»، و«الجزء السادس: عودة الجيداي» في عام 1983. كرّت السُّبْحة وتحوّلت هذه القصّة إلى ما يمكن اعتباره «الدورادو» أو شلالات من مدن الذهب، فأصبحت هناك مسلسلات، روايات، كتب مصوّرة، قصص، أفلام، ألعاب، ألعاب فيديو، ثياب، كلّها مرتبطة بالفكرة نفسها أي «حرب النجوم».
يخطئ من يعتقد أنَّ الخيال لا يكسب أو «لا يبيع». منذ بداية الحضارة، اكتشف البشر قدرة الحكاية على الجذب، والأسطورة والخوارق على كسب مستمعين مستعدّين أن يدفعوا مقابل حمايتهم من المخاطر التي لا يدركونها، أو تأييدهم من قبل قوى أهم وأكبر؛ فكانت العرّافات، كما المؤرّخون، ورواة القصص الذين يكتبون على أوراق البُردى أو ينحتون قصصهم على الحوائط، جزءاً لا يتجزأ من الأثر. لاحقاً كما يقول مرثيا إلياد، الفيلسوف والمنظّر الروماني حول الأساطير: «في البداية تكون الفكرة، وبعد ذلك يكفي أن يكون هناك خمسة أشخاص مؤمنين بها كي تتحوّل إلى حقيقة واقعية ومن ثم إلى أسطورة».
من هنا، منذ إطلاق سلسلة «حرب النجوم»، لا تزال تلك السلسلة تحظى بنجاحاتٍ كبيرة، وتتّكئ على جيوشٍ من العشاق الولهين بها. هؤلاء لا يكتفون بمشاهدة المسلسل أو الفيلم، بل يتعدّونه إلى كل ما يتعلّق بأدق تفاصيل العمل بحدّ ذاته. ولا يخفى على أحد أنَّ الشركات المنتجة باتت تعرف بأن هذا النوع من الأعمال له جاذبيته الخاصة التي تجعله بمثابة عنصر لفت انتباه وجذب. لذلك استخدمت «ديزني» مسلسل «أوبي وان كينوبي» كعامل ترويجي لإطلاق شبكتها للبث الرقمي في الشرق الأوسط؛ نظراً إلى معرفتها بمدى قوة السلسلة وتأثيرها.
تأتي قصة المسلسل بعد عشر سنوات على أحداث فيلم «حرب النجوم: الجزء الثالث- انتقام السيث» (2005)، حيث تم تدمير مجموعات «الجيداي» من قبل «النظام 66» التابع للسيث. و«الجيداي» هم أشبه بمزيج من الكهنة المسيحيين، متدربي الشاولين الصينيين، الصوفيين المسلمين، مع بعض المزايا الخارقة. ذلك أنهم يمتلكون قوة تدعى The Force تمكنهم من التحكّم بالأشياء وتحريكها عن بعد. يتدرب هؤلاء الرهبان لسنواتٍ، ويتمتعون بموهبة فطريّة تسمح لهم بالسيطرة على «القوة». ميزة «الجيداي» أنهم خيّرون بالفطرة، يحبون الناس ومستعدون للدفاع عنهم. ولا ريب أن أحد أشهر فرسان «الجيداي» هو أوبي وان كينوبي (إيوان مكريغور). تكمن شهرة كينوبي ليس فقط في أنه من القادة المهمّين لـ«الجيداي»، بل لأن متدرّبه أناكين سكاي وولكر (هايدن كريستيانسون) قد خانه وتحوّل إلى «دارث فيدر» ذي القناع الأسود المخيف والصوت العميق، أحد أشهر قادة «السيث». و«السيث» هم النسخة الشريرة من «الجيداي». لدى «السيث» القوى والميزات ذاتها التي يملكها «الجيداي»، لكنهم اختاروا الشر بدلاً من الخير، بالتالي هم يخدمون أطماعهم ورغباتهم بدلاً من الخير. تبدأ قصة المسلسل مع كينوبي، الذي يختبئ على كوكب «تطوين» مراقباً أحد الطفلين التوأمين لأناكين سكاي وولكر، أي لوك الذي يعيش مع عائلةٍ تتبنّاه بشكلٍ خفيّ.
يُستدعى كينوبي لاحقاً لإنقاذ الأميرة ليا أورغانا (فيفيان لايرا بلير)، وهي التوأم الثاني من طفلي سكاي وولكر التي خُطفت من قبل عملاء للإمبراطورية. يتضح لاحقاً أن هدف الخطف، هو أن عملاء الإمبراطورية يعتقدون أن كينوبي سيأتي لإنقاذ الأميرة ليا؛ وهو ما يحصل. كل هذا يكون بهدف التحضير للهدف الأهم: اللقاء بين كينوبي وتلميذه الذي تحوّل إلى شرير: أناكين أو دارث فيدر؛ الذي لم يكن كينوبي يعرف بأنه لا يزال حياً منذ آخر لقاءٍ جمعهما. ودارث هنا هي «رتبة» في عالم السيث بمعنى «قائد أعظم» أو ما شابه.
في القصة الكثير من التفاصيل التي تجعل عشاق السلسلة مفتونين ومنبهرين في آنٍ معاً. في البداية العودة إلى عالم «تطوين» الصحراوي، الذي شاهدوه في أكثر من جزءٍ من السلسلة، ما يبعث نوعاً من النوستالجيا. يضاف إلى هذا دخول حياة الأميرة ليا، إحدى أيقونات «حرب النجوم» التي شاهدوها وهي شابة في الأجزاء الأولى من السلسلة (سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي) حين لعبت دورها القديرة كاري فيشر. ولاحقاً شاهدوها مسنّةً وحتى وهي تموت في آخر أجزاء السلسلة العام الفائت. عودة كينوبي أيضاً أعادت إلى الواجهة الكثير من القصص والأسئلة التي يرغب متابعو السلسلة بمشاهدتها ومتابعتها والحصول على إجابات لها مثل: هل كان فيدر يعرف بأن لديه أطفالاً؟ هل يتذكّرهم؟ هل يحنّ إليهم؟ من تابع السلسلة، يتذكّر حتماً الجملة الشهيرة من لقاء لوك سكاي وولكر مع والده دارث فيدر في ثلاثية السلسلة الأولى في سبعينيات القرن الماضي، حينما تقاتلا حتى الموت بالسيف الضوئي الشهير (lightsaber) ليختم فيدر الصراع بالقول: «أنا والدك يا لوك». عبارة تحوّلت إلى meme شهيرة؛ نظراً إلى كونها مفاجأة كبرى في ذلك الوقت. الأمر نفسه ينسحب على الأجواء العامة للسلسلة، حيث المقاومة. رغم ضعفها وقلة عتادها وعدّتها، تسعى هذه المقاومة بكل ما تستطيعه إلى الوقوف بوجه إمبراطورية أقوى وأشد بأساً وتفوّقاً من جميع النواحي. هل كان جورج لوكاس حال صناعته لهذا النوع من القصص يريد الوقوف بجانب الضعفاء والثوار في مواجهة الإمبراطوريات المتوحّشة التي تسود العالم في السابق واليوم؟
أدائياً، يمكن القول بأنّ أفضل مؤدٍّ في العمل هو الممثلة الأميركية الطفلة فيفيان لايرا بلير، التي قال عنها الناقد بين شارلوك من موقع «سكرين رانت» بأنها: «النجمة الصاعدة المفاجأة» في هذا المسلسل. أدّت بلير على طريقة الكبار، رغم صغر سنّها (10 سنوات)، وأعطت الدور الكثير من «الهضامة» و«العذوبة» في معظم أوقات ظهورها على الشاشة، حتى في تفاصيل حركتها الصغيرة والواسعة. الأسكتلندي إيوان مكريغور لديه باعٌ طويل في عالم التمثيل، فضلاً عن جوائز كبيرة، يؤدي هنا باستخدام تقنيات الستانسلافسكية الأدائية، فيرتدي الشخصية، فلا يظهر منه إلا هي. من تابع ثلاثية الأفلام التي أدى بها الشخصية نفسها؛ ودُعيت بـ «ثلاثية أفلام بداية حرب النجوم» (star wars prequel trilogy)، يعرف تماماً مدى مهارته كمؤدٍّ. لذلك لم يكن غريباً أن يكمل ما يجيده.
أما المخرجة الكندية ديبورا شو، فكانت قد تولّت قبلاً الجزء الأوّل من مسلسل «الماندلوري»، وهو أيضاً من سلسلة «حرب النجوم» ومن إنتاج «ديزني». نجاح شو في «الماندلوري» جعلها مطلوبةً بقوة لإخراج هذا الجزء، وهي استطاعت أن تقدّم جواً شبيهاً بجو مسلسلها السابق الناجح. يمكن القول بأن من شاهد العملين، يشعر بأنّ هناك روحاً واحدة تجمعهما رغم الفارق الزمني بينهما. وكعادة معظم أعمال «حرب النجوم»، فإنّ الموسيقى جزء لا يتجزأ من العمل. ومن هنا كانت الاستعانة بالمؤلفة الموسيقية وعازفة الكمان البريطانية ناتالي آن هولت، التي كانت قد أعطت «ديزني بلس» موسيقى مسلسل «لوكي» (2021)، فضلاً عن عملها في أعمال كبيرة مثل مسلسل «فيكتوريا» (2017) الذي رُشّحت عنه لجائزة أفضل مؤلفة موسيقى تصويرية في الـ «إيمي» تلك السنة. أعطت هولت العمل لوناً موسيقياً خاصاً به، وإن ظلت في الإطار عينه لموسيقى السلسلة ككلّ.
باختصار، هو مسلسلٌ يستحق المشاهدة لهواة السلسلة، خصوصاً أن بعض التفاصيل قد تبدو معقّدة بالنسبة إلى من لم يشاهدوا الأفلام السابقة أو عرفوا فحواها. أما للوافدين الجدد على السلسلة، فهذا المسلسل بالتأكيد سيكون حجر زاوية رئيساً في متابعتهم للقديم كما للجديد من «حرب النجوم».
* Obi-Wan Kenobi على «ديزني بلس»
نُشر في صحيفة الأخبار اللبنانية بتاريخ 20 تموز 2022
https://al-akhbar.com/Cinema/341530