أحمد المحمود
(الجيل السادس - ورشة الكتابة الإبداعية)
كيف يمكننا أن نحدّد جودة ما نشاهده على التلفاز بمختلف أنواعه؟ هل الجودة في الأساس مبنية على العاطفة؟ أم إنّ هنالك معايير ودراسات تحدّد جودة ما يُعرض أمامنا؟ هذه بضع أسئلة قد نظن أنها تحمل إجابات مختلفة وربما متناقضة أو غير محددة، لكنّ الأمر عكس ذلك تمامًا. ففي كتاب "بيت ياسين.. رهان الجودة في التلفزيون العربي"، يضع د. محمد طروس أمامنا كل ما يقرّبنا من تحديد جودة التلفزيون والبرامج المعروضة.
في ثلاثة فصول من إصدار دار العين للنشر (للعام 2022)، يشرح الباحث والإعلامي محمد طروس بدايةً عن مفهوم الجودة في التلفزيون العربي على وجه الخصوص، ثم ينتقل في فصله الثاني إلى دراسة تحليلية لبرنامج "بيت ياسين" الذي يقدمه الإعلامي ياسين عدنان على قناة الغد الإماراتية باعتباره نموذجيًا. ويختم كتابه في الفصل الثالث بنقل لقائه الخاص في هذا البرنامج، مضيفًا إليه ملحقًا دراسيًّا عن مفهوم الجودة ومجموعة صور لضيوف برنامج "بيت ياسين".
يشرح طروس في بداية كتابه عن مستوايات التلقِّي لدى المشاهد، وكيف يتحول التلفاز ومن خلفه إلى روائي يُكوّن قصةً بغض النظر عن المحتوى والمستوى وطريقة التقديم. يطرح مباريات كرة القدم مثالًا بقوله أنّ المشاهد يكون "أمام فرجة لا علاقة لها بما يجري في رقعة الملعب"، بل يستمع إلى المعلّق خلف الميكروفون الذي لا يكتفي بوصف ما يحدث بل يضيف إلى مجريات هذه المباراة من معلومات عن تاريخ وإحصائيات الفريقَين بطريقة مشوقة، "حتى إنّ المرء قد يستشعر فتورًا إذا شاهد نفس المباراة في الملعب".
ينتقل الكاتب إلى مفهوم الجودة في التلفزيون مستعينًا بمقاربات لدارسي هذا العنوان من ضمنهم فرنسوا جوست اللغوي والكاتب المسرحي الفرنسي، حيث عن طريق هذه المقاربات نستطيع أن نفهم المعايير المختلفة التي توضع لتحديد جودة ما يُعرض على التلفزيون. ويعرّف الجودة على أنّها "قيمة ومعايير وأهداف" تقوم على "تثمين الأعمال الجادة والجيدة، والدفع بالإبداع والثقافة التلفزيونيين إلى الوعي بأدواتها وآلياتها، وتحريك الدراسات الراكدة العاجزة عن مواكبة أشكال فنية وتعبيرية جديدة ما فتئت تنمو وتينع، وتتحدى الأدوات والمناهج التقليدية".
يقوم طروس بدراسة شاملة لبرنامج "بيت ياسين"، وهو برنامج تلفزيوني أسبوعي يقدمه الإعلامي المغربي ياسين عدنان، ويستضيف فيه العديد من المثقفين العرب من كتاب وشعراء وأدباء وفنانين وموسيقيين من أنحاء عالم العربي. ويعتبر الكاتب إنّه حسب نتيجة دراسته، يمكن اعتبار هذا البرنامج "معيارًا لتحديد جودة التلفزيون". ويرفق طروس الحوار الذي دار بينه وبين ياسين عدنان عندما حلّ ضيفًا في برنامجه، بحيث ناقشا العديد من المواضيع المثيرة للاهتمام حول عالم الفن والسينما والتلفاز، فجاء الكتاب " ثمرة هذا الحوار"، حسب تعبيره.
في الختام، هو كتاب يوضح صورة جودة التلفزيون العربي، وبغض النظر إن كنا من محبي "بيت ياسين" أم لا، فيمكن القول انه من البرامج التي تستحق الاحترام. ولكن هل يمكن لهذا البرنامج أن يكون "المعيار" لجودة التلفزيون العربي؟ والذي سيُبنى على أساسه لتحسين جودة المواد التلفزيونية؟
8 تشرين الثاني 2022