أحمد مدلج
(الجيل السادس - ورشة الكتابة الإبداعية)
بعد سنوات قضاها في السجن، ما الذي يدفع سعيد مهران للعودة إلى ارتكاب الجرائم فور خروجه؟ هل هو الانتقام؟ أم الفقر؟ أو الخيانة؟ هل هو انعدام إيمانه بالعدالة السماوية وعدالة الدولة؟
في روايته القصيرة "اللص والكلاب" الصادرة في العام 1961، يروي لنا الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الأدب، قصة سعيد مهران الذي سُجِن بسبب إقدامه على عدة جرائم سرقة. كان من المفترض أن تكون فترة تنفيذ عقوبته في السجن فرصة لإعادة تأهيله، قبل الانخراط في مجتمعه من جديد. هذا المجتمع الذي خانه بعد أن تزوجت نبوية (زوجة سعيد السابقة) من عليش (صديقه السابق)، وحرم سعيد من ابنته سناء، ثم أعاد استقبال سعيد لكن من دون منزل ولا وظيفة.
تنقسم رواية "اللص والكلاب" إلى ثمانية عشر فصلًا وتبدأ منذ لحظة خروج سعيد مهران من السجن إلى لحظة القبض عليه واستسلامه. يدخلنا الكاتب مباشرةً في الفصل الأول إلى عالم سعيد مهران الذي يتحطم أمام عينيه عند خروجه من السجن، فيرى زوجته السابقة قد تزوجت صديقه الأعز ويربيّان ابنته الصغيرة التي لم تتعرّف إلى والدها بل خافت منه. حينها، يخطط سعيد للانتقام وقتل نبوية وعليش.
يقصد سعيد في الفصل الثاني شيخًا يسكن في الجبل، كان يزوره مع والده وهو صبي. حدّثه سعيد عن سبب دخوله السجن، وعن الخيانة التي تعرّض لها، وفكرة الانتقام التي تشغل كل تفكيره. نصحه الشيخ أن ينسى الماضي ويفتح صفحة جديدة في حياته بعد السجن. كرّر الشيخ على مسامع سعيد كلمته الأخيرة عن الوضوء والاستغفار وقراءة القرآن. ذهب سعيد إلى زيارة صديقه القديم رؤوف علوان، طالب الحقوق الذي حثّه في الماضي على سرقة الأثرياء من أجل تحقيق العدالة في هذا العالم. علوان الذي أصبح رئيس تحرير جريدة الزهراء ويملك "فيلا" وسيارة، تخلى عن مبادئه التي كان يتغنى بها أمام سعيد في الماضي، من أجل المنصب والشهرة والمال. ردة فعل سعيد الأولى كانت في الانتقام من رؤوف، فقرر سرقة منزله الذي لم يستقبله وهو لا يملك مكانًا يبيت فيه. أدى به رؤوف إلى العودة إلى السجن ثم إخلاء سبيله وتحذيره من الاقتراب منه مرة أخرى.
كبر الحقد في نفس سعيد وزادت نقمته على كل الذين خانوه ومضوا في حياتهم من دونه، فصمّم على الانتقام. جرّب أكثر من مرة أن يقتل رؤوف ثم عليش، لكنه في كل محاولة كان ينتهي به المطاف إلى إصابة وقتل شخص آخر خطأً. وعند كل جريمة تودي بحياة شخصٍ بريء، يعود الكاتب ليذكرنا بماضي سعيد الحافل بالمآسي والمصاعب؛ وفاة والدته على باب المشفى بسبب عدم امتلاكهم كلفة العلاج والفقر الذي عاشه وسرقة الأغنياء التي اعتبرها طريقًا لتحقيق العدالة.
العدالة التي كان يطمح إليها سعيد لم تتحقق، بل أصبحت هي التي تلاحقه حتى حاصرته وفرضت عليه الاستسلام والعودة إلى السجن. هنا يتساءل القارئ: هل سعيد هو المجرم أم الضحية؟ ضحية دولة ومجتمع لم يساعده وتركه بمفرده، أم مجرم قتل وسرق ولم يستطع تغيير حياته بعد سنوات السجن التي كان هدفها جعله شخصًا قابلًا للعيش في المجتمع من جديد. هل العدالة التي يطمح لها سعيد تتحقق حين يأخذ حقه بيده؟ يتركنا الكاتب مع كل هذه الأسئلة فلا نستطيع أخذ موقفٍ حاد من سعيد، هل نشفق على حاله أم نخاف منه؟
15 تشرين الثاني 2022