زينب حيدورة (الجيل الخامس - ورشة الكتابة الإبداعية)
يرجع استخدام مصطلح "يوتوبيا" إلى رواية للكاتب الإنكليزي سير توماس مور تحمل العنوان: "utopia"، وفي أصل هذه الكلمة أنها تجمع مقطعين: "topos" والتي تعني "المكان"، و"U" بمعنى "لا"، أي: لا مكان؛ وقد استخدمت هذه العبارة للدلالة على المدينة الفاضلة أو الدولة المثالية التي يتحقق فيها الخير والسعادة وتُمحى منها الشرور. أما "يوتوبيا" أحمد خالد توفيق فهي مختلفة تمامًا وتأتي لتدحض ما صُوّر عن مثالية هذه المدينة العظيمة على مر التاريخ.
هذه الرواية التي صدرت في العام 2008 عن دار الشروق، أراد الكاتب من خلالها أن يظهر أحداث المستقبل وفق رؤيته للعام 2020. تدور الأحداث بين الشخصيتين الرئيسيتين: الصياد والفريسة، في خمسة أجزاء توحي للقارئ بنهاية واضحة وإن كان يحاول أن يقنع نفسه خلافها، فالصياد لابد أن يصطاد الفريسة. ترسم الرواية مظاهر عالمَين متناقضَين نجح أحمد خالد توفيق في إظهار تفاصيلهما الكاملة حتى تلك القاسية منها، برع في إقناع القارئ فيها. العالم الأول هو عالم يوتوبيا -العالم الذي ينتمي إليه الصياد- أشبه بمستعمرة تقع في الساحل الصحراوي شمال مصر، ويتميز بالتطور الهائل والرفاهية المفرطة والتنظيم المبهر والحرية المطلقة؛ إلا أن أفرادها يقتلهم الملل إلى الحد الذي يصبح الموت لعبتهم المثلى. تبدو صورة هذا العالم "اليوتوبي" منمّقة في الظاهر ولكنها تُخفي حقيقة كونها قائمة على الاحتكار والطمع والاستغلال البغيض للطبقة المعدمة لدرجة أنها تحولت إلى سجن كبير عزلوا أنفسهم فيه خوفًا من تمرد أهل الأغيار حيث العالم الذي تنتمي إليه الفريسة- الذي ليس فيه "إلا الفقر والوجوه الشاحبة التي تطل منها عيون جاحظة جوعى متوحشة.." لدرجة أنهم قد يأكلون كلبًا أو دجاجًا نافقًا، عالم صورته قبيحة مقززة ولا تتوفر فيه الحد الأدنى من الخدمات كالكهرباء والمياه: فالدولة تخلت عن دورها والأمر متروك فيها للعصابات.. العالم الأول يحميه الأميركي-رجال من المارينز المتقاعدين- ويتعايش مع الإسرئيلي الذي ينظر إليه كصديق بينما تبقى "إسرائيل" في العالم الثاني عدوة للفقراء، على حد قول "الفريسة". وفي المقابل وإن اختلفَت الدوافع نجد أن هناك عوامل كثيرة مشتركة بين العالمين كغياب قوانين رادعة، وغياب الأخلاق، وانتشار السكر والرذيلة وتعاطي المخدرات. تتسم الرواية بالسوداوية المفرطة، فالمُرَفّه غير راضٍ عن حياته ويبحث عن الإثارة وعن إنجاز يتغنّى به ولو كان عملًا غير إنساني، والبائس أيضًا غير راضٍ عن حياته المعدمة ويبحث عن حلم. يسيطر الشر على الرواية، وإن ظهر خير ما فهو شاذ عن القاعدة ومحكوم بالموت لا محالة.
يُحسب للكاتب بالإضافة إلى مهارته في الكتابة، ثقافته التي يلتمسها القارئ في كثيرٍ من محطات الرواية الغنية. فهو يورد العديد من التقارير الصحفية، ويطلعنا على عدد من الأغاني التي أتَت على شاكلتَين الأولى من أغاني الأورجازم وتمثل لسان حال اليوتوبي، والثانية أغاني شعبية للشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي وتمثل لسان حال الأغيار، هذا عدا عن مقطع للشاعر والكاتب المسرحي الألماني برتولت بريخت الذي استفتح به روايته:
"حقا إنني أعيش في زمن أسود..
الكلمة الطيبة لا تجد من يسمعها..
الجبهة الصافية تفضح الخيانة..
والذي ما زال يضحك..
لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب..
أي زمن هذا؟”
أغنى الكاتب روايته بأحداث وتحليلات في السياسة والإجتماع والاقتصاد، فتكلّم عن طبقات المجتمع وغياب الطبقة الوسطى وأشار إلى نظريات كارل ماركس عن ثورة الشعب والطبقة العاملة. اختار توفيق أن يطبق بذاته ما جرى على لسان أحد أبطال روايته: "عندما تشم رائحة الدخان ولا تُنذر من حولك، فأنتَ بشكل ما ساهمتَ في إشعال الحريق". صحيح أنه بنى أحداث روايته في واقع متخيل تمامًا، إنما بإمكان القارئ ملاحظة أن المستقبل الذي يحاول نسجه من خياله ينطلق من واقع محض، من دراسات ووقائع حصلَت لها دلالاتها ومؤشراتها، لعله بذلك ينذر يمستقبل إن حصل فإنه سيشكل كارثة بكل المقاييس؛ ونحن نلمس من خلال ما يجري حاليًا تماثلًا مبدئيًا لبعض توقعاته لنا أن نسأل هل سنشهد نهاية مماثلة؟