نسرين الخنسا
(الجيل السادس - ورشة الكتابة الإبداعية)
كثيرًا ما نسمع عن أناسٍ هاجروا عبر البحر بطرق غير شرعية، ففقدوا هوياتهم الوطنية؛ وقد نكون على معرفة بأشخاصٍ لا يمتلكون أوراقًا ثبوتية مما يحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية والمدنية، وهناك آخرون ببطاقات هوياتٍ معلّقة بسبب وجود خطأ مدوّن عليها. ولكن المستغرب هو حالة أفراد يعيشون في بلدهم مواطنين ويتمتعون بكافة الحقوق المدنية، تُسقط عنهم هوياتهم فجأةً ومن دون أسباب واضحة أو محقة!
"بلا هوية Stateless" هو كتابٌ للباحث الدكتور علي الديري الذي أسقطت عنه هويته مع مجموعة من البحرانيين من قبل مملكة البحرين فرحّلوا عن ديارهم. صدر الكتاب عن "مرآة البحرين" باللغتين العربية والإنكليزية عام 2017 بعد وصول الديري وعائلته إلى منفاه في كندا عام 2016. حدث ذلك بعد مراحل ومحطات بقي خلالها في لبنان لمدة خمس سنوات وكان ذلك نتيجة صدور القرار على خلفية "مخالفة النظام". يشرح الكاتب خلال أجوبته معنى اسقاط الهوية، المواطنة، الأبناء -ذوو الهوية- الذين يولدون من آباء لا هوية لهم، والأصدقاء الذين يشون بأصدقائهم وأهلهم خوفًا من اسقاط هويتهم، وفلسفة الأسباب.
جاء الكتاب على شكل حلقات حوار بين الكاتب وابنته أماسيل، التي تبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، فهي قد شهدت قرار إسقاط الهوية عن والدها فأرادت أن تفهم ما يدور حَولها وحول غموض هذا القرار فسألت والدها:" لماذا أسباب اسقاط الجنسية البحرينية غامضة كما تقول منظمة العفو الدولية؟"، وحينها كانت فكرة هذا الكتاب. كما يُعد "بلا هوية" كتابًا ذي جهدٍ مشترك بحيث أن كل جواب كان يعطيه الديري لابنته حفزها لطرح سؤال آخر، وهكذا توالت الأسئلة والأجوبة بشكل تناسب مع قدرات أماسيل في فهم مجريات الأمور. ولقد أصرّ الكاتب على أن يكون هذا الكتاب مرافقًا لابنته كلما مضت عليها السنوات ونضجت مع الوقت. اللافت في الكتاب أنّ حلقات النقاش لم تحدث في مكان وزمانٍ محددين بل أخذت تدور في أوقات وأماكن متعددة كالمقهى وفي الطرقات وداخل البيت حتى أصبحت شغلهما الشاغل. ومن جهتها، تحدثت أماسيل عن فهمها لإسقاط الهوية وكيف أنها سمعت هذا المفهوم للمرة الأولى عندما كانت في السيارة، ولكنه لم يستوقفها إلّا عندما غادروا بيت جدهم وأبيهم وغرفتها التي لها فيها ذكريات خاصة.
الكتاب يذكرنا بأسلوب "السهل الممتنع" لابن المقفع ولكن من ناحية أخرى، فالمفهوم يحتاج إلى دراسات وفلسفات وتحليلات عديدة، ولكنه كتب بالطريقة الأسهل والأبسط لعدّة أسباب منها عمر ابنة الكاتب (13 سنة) ولكونه مرجعًا هدف الكاتب من خلاله أن يكون بمتناول الجميع بمختلف خلفياتهم الثقافية والسياسية.
وأخيرًا، قضية الكاتب ورفاقه البحرانيين (وضمن الكتاب يشرح الكاتب الفرق بين "البحرييني والبحرانيّ") تذكرنا بقصيدة للشاعر الفلسطينيّ العملاق محمود درويش في قصيدة له عنوانها "جواز السفر" حيث يصف حالة أخد جواز سفره عندما عرفوه أنه فلسطينيّ فقال قصيدته هذه ومن ضمنها هذه الأبيات:
لم يعرفوني في الظلال التي
تمتصّ لوني في جواز السفر..
وكان جرحي عندهم معرضًا
لسائحٍ يعشق جمع الصُّور..
كلّ العيون
كانت معي، لكنّهم
قد أسقطوها من جواز السفر!
عارٍ من الاسم، من الانتماء؟
لا تسألوا الوديان عن أمّها
من جبهتي ينشقّ سيف الضياء
ومن يدي ينبع ماء النهر
كلّ قلوب الناس.. جنسيتي..
فلتسقطوا عني جواز السفر!
30 تشرين الثاني 2022