أحمد المحمود
(الجيل السادس - ورشة الكتابة الإبداعية)
هل بإمكانك تخيّل العالم من دون التواصل بين البشر؟ الكلام والتعبير عمّا في داخلنا والتمتّع بوجود من يسمعنا هي أمور حياتية بديهية، لكن ماذا لو كنّا جميعنا صامتين؟ هل كنّا لنحيا في عالمٍ مثل الذي نعيشه اليوم؟ صحيحٌ أنّ وسائل التواصل أصبحت كثيرة لا تحصى، وبرغم سهولتها نوعًا ما، إلًا إنّه في أحيانٍ كثيرة يُصعب علينا إيصال ما نريده والتعبير عمّا نشعر به بطريقة صحيحة، فكيف يكون حال من لا يستطيع التواصل نهائيًا؟ كيف سيكون العالم لو كنّا مصابون بمرض التوحد؟
في كتابه "لهاذا السبب أقفز" (ترجمة شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2021)، يحاول ناووكي هيغاشيدا المؤلف الياباني المصاب بمرض التوحّد، الإجابة عن العديد من الأسئلة التي تجول في ذهننا عند مقابلتنا لشخصٍ مصاب بالتوحد مثل: "أصحيحٌ أنّك تكره أن يلمسك أحد؟"و "هل تفضل أن تُترك وشأنك؟". يحوي الكتاب ثمانية وخمسين سؤالًا (على شكل فصول قصيرة جدًا) بالإضافة إلى مقدمة للكاتب البريطاني ديفيد ميتشيل يشرح فيها أهمية هذا الكتاب الذي ألّفه صبي في الثالثة عشرة من عمره وهو يعاني من التوحّد، وخاتمة قصيرة بقلم هيغاشيدا. يرينا الكاتب العالم من وجهة نظره ويقارب لنا حياته اليومية، بما فيها من تفاصيل مذهلة يكاد يجهلها أغلب الناس.
يوضح الكاتب كيف استطاع تأليف هذا النص وهو تلميذ في المرحلة المتوسطة، إذ ساعدته مدرّسته التي علمته كيف يلفظ الكلمات وساندته والدته التي ابتكرت له لوحاً مكتوب عليه أحرف الهيراغانا اليابانية بحيث يشير إليها بإصبعه حرفاً بعد حرف ليكوِّن كلمة ثم جملة إلى أن أنهى كتابه. ولعل من أهم النقاط التي يتمحور حولها الكتاب هي التواصل، أن نسعى لفهم ما يمرُّ به كل من هم مثل هيغاشيدا مدركين أنَّ قيامنا بمحادثة سريعة عادية جدًا نشارك من خلالها أخبارنا ومشاعرنا، هي أشبه بمن يقوم بالسحر بالنسبة إلى من يعاني من التوحُّد، فهو لا يستطيع متابعة ما نقوله، وعلينا نحن "الطبيعيين" كما يقول ناووكي أن نتحلّى بالصبر؛ فحجم الجهد الذي يبذله للقيام بأمر "عادي" مثل التواصل او شرب كوب عصير على سبيل المثال، ليس عاديًا. ويختم الكاتب بقصة قصيرة خيالية يصور لنا من خلالها مدى صعوبة ومرارة أن لا تقوى على إيصال ما تشعر به، وهذا أهم ما يعاني منه المصابون بالتوحد.
قد يبدو لكثيرين أنَّ المصاب بمرض التوحد هو مجرد طفل مهما بلغ من عمره، وقد يعتقد البعض أنَّ لديه نقص ذهني وعاطفي، إلا إن الكاتب ينفي ذلك ويشير إلى تمتع الشخص المصاب بالتوحد بقوة عقلية من الممكن أن تفوق قدرة الشخص "الطبيعي"، لكنه يحتاج إلى من يفهمه ويقدم له المساعدة لتطوير موهبته وإظهارها. على الناس أن لا يملُّوا ولا يسارعوا في فقدان أملهم عند تعاطيهم مع المصاب بالتوحد.
"لهذا السبب اقفز" يفتح عيني القارئ على أمور لم تكن في باله، وقد يتأثر عندما يقرأ أجوبة هذه الاسئلة بلسان طفل مصاب بالتوحد ويفهم لماذا يقفز لدرجة قد تجعله يود أن يقفز هو أيضًا.
22 آب 2022
هل بإمكانك تخيّل العالم من دون التواصل بين البشر؟ الكلام والتعبير عمّا في داخلنا والتمتّع بوجود من يسمعنا هي أمور حياتية بديهية، لكن ماذا لو كنّا جميعنا صامتين؟ هل كنّا لنحيا في عالمٍ مثل الذي نعيشه اليوم؟ صحيحٌ أنّ وسائل التواصل أصبحت كثيرة لا تحصى، وبرغم سهولتها نوعًا ما، إلًا إنّه في أحيانٍ كثيرة يُصعب علينا إيصال ما نريده والتعبير عمّا نشعر به بطريقة صحيحة، فكيف يكون حال من لا يستطيع التواصل نهائيًا؟ كيف سيكون العالم لو كنّا مصابون بمرض التوحد؟
في كتابه "لهاذا السبب أقفز" (ترجمة شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2021)، يحاول ناووكي هيغاشيدا المؤلف الياباني المصاب بمرض التوحّد، الإجابة عن العديد من الأسئلة التي تجول في ذهننا عند مقابلتنا لشخصٍ مصاب بالتوحد مثل: "أصحيحٌ أنّك تكره أن يلمسك أحد؟"و "هل تفضل أن تُترك وشأنك؟". يحوي الكتاب ثمانية وخمسين سؤالًا (على شكل فصول قصيرة جدًا) بالإضافة إلى مقدمة للكاتب البريطاني ديفيد ميتشيل يشرح فيها أهمية هذا الكتاب الذي ألّفه صبي في الثالثة عشرة من عمره وهو يعاني من التوحّد، وخاتمة قصيرة بقلم هيغاشيدا. يرينا الكاتب العالم من وجهة نظره ويقارب لنا حياته اليومية، بما فيها من تفاصيل مذهلة يكاد يجهلها أغلب الناس.
يوضح الكاتب كيف استطاع تأليف هذا النص وهو تلميذ في المرحلة المتوسطة، إذ ساعدته مدرّسته التي علمته كيف يلفظ الكلمات وساندته والدته التي ابتكرت له لوحاً مكتوب عليه أحرف الهيراغانا اليابانية بحيث يشير إليها بإصبعه حرفاً بعد حرف ليكوِّن كلمة ثم جملة إلى أن أنهى كتابه. ولعل من أهم النقاط التي يتمحور حولها الكتاب هي التواصل، أن نسعى لفهم ما يمرُّ به كل من هم مثل هيغاشيدا مدركين أنَّ قيامنا بمحادثة سريعة عادية جدًا نشارك من خلالها أخبارنا ومشاعرنا، هي أشبه بمن يقوم بالسحر بالنسبة إلى من يعاني من التوحُّد، فهو لا يستطيع متابعة ما نقوله، وعلينا نحن "الطبيعيين" كما يقول ناووكي أن نتحلّى بالصبر؛ فحجم الجهد الذي يبذله للقيام بأمر "عادي" مثل التواصل او شرب كوب عصير على سبيل المثال، ليس عاديًا. ويختم الكاتب بقصة قصيرة خيالية يصور لنا من خلالها مدى صعوبة ومرارة أن لا تقوى على إيصال ما تشعر به، وهذا أهم ما يعاني منه المصابون بالتوحد.
قد يبدو لكثيرين أنَّ المصاب بمرض التوحد هو مجرد طفل مهما بلغ من عمره، وقد يعتقد البعض أنَّ لديه نقص ذهني وعاطفي، إلا إن الكاتب ينفي ذلك ويشير إلى تمتع الشخص المصاب بالتوحد بقوة عقلية من الممكن أن تفوق قدرة الشخص "الطبيعي"، لكنه يحتاج إلى من يفهمه ويقدم له المساعدة لتطوير موهبته وإظهارها. على الناس أن لا يملُّوا ولا يسارعوا في فقدان أملهم عند تعاطيهم مع المصاب بالتوحد.
"لهذا السبب اقفز" يفتح عيني القارئ على أمور لم تكن في باله، وقد يتأثر عندما يقرأ أجوبة هذه الاسئلة بلسان طفل مصاب بالتوحد ويفهم لماذا يقفز لدرجة قد تجعله يود أن يقفز هو أيضًا.
22 آب 2022
-->