الريجيم الثقافي

بين سِحر المدينة ووجعها




نسرين الخنسا 

(الجيل السادس – ورشة الكتابة الإبداعيّة)

 

 

العنوان: بيروت إكس أو

التّصنيف: رواية مشتركة

المؤلفون: فاطمة شاهين ووسام رحّال (خريجَتا ورشة الكتابة الإبداعية -الجيل الثالث، بإشراف الأستاذ عبدالرحمن جاسم)

النّاشر: دار - المجمّع الإبداعي، للعام 2022

تصحيح وتحرير: الأستاذة تهاني نصّار (نون عبد الرّحمن)

 

 

"أنا مريم، كل عمري إحلم إنزل عَبيروت. بحبّ شغلتَين بحياتي، عيلتي والكتب، ومن بعدن بحبّ البطيخ وورق العنب بزيت، وما بحبّ أبدًا شوف عصفور بقفص." (مريم- إحدى شخصيات الرواية، كتبتها فاطمة شاهين) 

كيف يمكن أن تحب بيروت كمدينة من دون أن تهتم لأحداثها، وتغرق في أزقتها وشوارعها، وتتحدّث عن أسواقها، وتكتب عن تجربتك فيها؟ ليس بالأمر الهيّن أن تدوّن مشاعرك تجاه مدينة، فالأماكن التي نسكنها لا بدّ أن تسكننا في يومٍ من الأيام، ومن أصدق بالتعبير عن الأماكن أكثر من سكانها الذين عاشوا تفاصيلها؟ هذا ما يميّز رواية "بيروت اكس أو" لِـ: فاطمة شاهين ووسام رحّال، فكلاهما اشتركا في الكتابة عن بيروت وكأنّها أمّهما، فهي في النهاية "ست الدنيا".

أول ما يلفت انتباه القارئ هو غلاف الرواية (تصميم عصام خازم) المطابق للعنوان والمحتوى؛ فنجد "بيروت": الكلمة المفتاح في الرواية والعنوان، مرسومة على شكل بناء هندسي من الإسمنت، في إشارة إلى المدينة وإلى المرفأ الذي تدمّر في الانفجار عام 2020. كما أن اختيار ألوان الغلاف، لون الدم ولون السماء، يعكس أيضًا مضمون الرواية. 

مع أنّ الرواية مشتركة بين كاتبتَين تختلفان كثيرًا في الأسلوب وطريقة التعبير، إلّا أنّها نجحت في أن تشكّل نصًا متناسقًا حافظ على مستوًى متقارب إلى حدٍ ما منذ بدايتها إلى آخر فصلٍ فيها. كُتبَت الرواية على شكل قصصٍ قصيرة متسلسلة، تتألف من 32 قصة مقسّمة بالتساوي بين الكاتبتَين ولكل واحدة منها عنوان باللكنة اللبنانية البيروتية. قدّمَت وسام رحّال شخصية "ريتاج" التي تبلغ من العمر 38 عامًا وتعاني من علاقة ملتبسة مع أمها. و"مريم" (أو مريومة، كما تناديها ريتاج) بطلة فاطمة شاهين، التي نزلَت إلى بيروت لتكمل دراستها الجامعية. تجيد وسام رحّال تجسيد تفاصيل الأماكن والطرقات بشكل لافت مما يجعل القارئ يشعر أنه يتتبع  GPS بكل دقة، أمّا فاطمة شاهين فتميزت بتركيزها على ثقافة أهل جنوب لبنان من طعام وعادات وتقاليد.

تبدأ القصة مع مريم التي تنتقل من العيش مع عائلتها في قريتها الجنوبية "عين بوسوار" لتسكن في سكن الطلاب القريب من الجامعة اللبنانية في الضاحية الجنوبية لبيروت. تنتظر مريم مقابلة عمل لها بشغف وتوتر في آنٍ واحدٍ معًا، وتسعى للقيام بـ ِ"كزدورة في بيروت". تلتقي صدفةً بريتاج التي تبادر لاحقًا بأخذها في تلك "الكزدورة" قائلةً: "مريومة النحلة، معك ريتاج.. الساعة خمسة ونص هلأ، أديه بدّك وقت لتكوني جاهزة لنروح هالكزدورة؟" فتقابلها مريومة - كما عادتها- "بالعبوطة". 

تعمل ريتاج التي تكبر مريم بعشر سنوات في مركز "سكون" للتدريب على الموارد البشرية. تلعب ريتاج دورًا ملحوظًا في تطوّر شخصية مريومة ونضجها من بداية الرواية حتى نهايتها (round character).

تطرح الرواية أحداثًا عاشها اللبنانيون على مدار عام مسّت حياتهم اليومية وأثّرت فيهم، مثل تفشي وباء كورونا وثورة 17 تشرين، لتنتهي بأحداث انفجار 4 آب الذي أخذ حيزًا من الرواية، والتي دُوّنَت فيها مشاهد الفرح والحزن خاصة في نهايتها. 

"بيروت اكس أو" رواية تتميّز بواقعيتها وبساطتها، فالشخصيات تتكلم بلغة عفوية، وتنقل للقارئ الأحداث بلغة بسيطة بعيدة عن التعقيد، فتعكس الحياة اليومية كما هي، من دون أي تجميل أو إضافات.

 

 

27 أيلول 2022