الريجيم الثقافي

رواية 1984 - جورج أورويل




1. العنوان: 1948 

2. تأليف: جورج أورويل

3. ترجمة: أنور الشامي       

4. مكان النشر: الدار البيضاء المغرب

5. الموضوع: ديستوبيا سياسية  

6. سنة النشر: الطبعة الثالثة 2013      

7. الناشر: المركز الثقافي العربي

 

‌أ- نبذة عن الكاتب:

-       إريك آرثر بلير Eric Arthur Blair  هو الاسم الحقيقي لجورج أورويل، الاسم المستعار له والذي اشتهر به.

-       هو صحافي وروائي بريطاني عمله كان يشتهر بالوضوح والذكاء وخفة الدم، والتحذير من غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولي وإيمانه بالاشتراكية الديمقراطية.

-       كتب أورويل في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة الجدلية. أكثر عمل عُرف به هو رواية 1984 التي كتبها في عام 1949م، وروايته المجازية مزرعة الحيوان عام 1945م. والإثنين تم بيع نسخهم معًا أكثر من أي كتاب آخر لأيّ من كتّاب القرن العشرين.

-       كتابه تحية لكتالونيا في عام 1938م كان ضمن رصيد خبراته في الحرب الأهليّة الإسبانية، والمشهود به على نطاق واسع على أنّه مقاله الضخم في السياسية والأدب واللغة والثقافة.

-       في عام 2008م وضعته صحيفة التايمز في المرتبة الثانية في قائمة "أعظم 50 كاتب بريطاني".

-       منذ عام 1945 استمر تأثير أعمال أورويل على الثقافة السياسية السائدة، ومصطلح أورويلية الذي يصف ممارسات الحكم الاستبدادي والشمولي والتي دخلت في الثقافة الشعبية مثل ألفاظ عديدة أخرى من ابتكاره مثل: "الأخ الأكبر، التفكير المزدوج، الحرب الباردة، جريمة الفكر وشرطة الفكر".

-       عانى أورويل من مرض السل في وقت مبكر، وتوفي في العام 1950 ولم يبلغ حينها سوى السادسة والأربعين من العمر.

‌ب- نبذة عن الكتاب:

1984، (Nineteen Eighty-Four) هي رواية ديستوبية من تأليف جورج أورويل نُشرت سنة 1949. تقع أحداث الرواية في إيرستريب (بريطانيا العظمى سابقًا)، وهي مقاطعة من دولة عظمى تدعى أوقيانيا، في عالم لا تهدأ فيه الحرب والرقابة الحكومية والتلاعب بالجماهير.

ترزح تلك المقاطعة تحت نير نظام سياسي يدعو نفسه زورًا بالاشتراكية الإنجليزية أو الإنجراكية (حسب "نيوسبيك" اللغة الجديدة التي ابتكرتها الحكومة)، وتملك زمامه نخبة أعضاء الحزب الداخلي الذين يلاحقون الفردية والتفكير الحر بوصفها جرائم فكر.

يُجسَّد الأخ الكبير طغيان النظام، وهو قائد يحكم كزعيم لا يأتيه الحق من بين يديه ولا من خلفه، وإن كان ثمة احتمال أنّه لا وجود له. يسعى الحزب للسلطة لا لشيء سوى لذاتها، لا لمصلحة الآخرين. أما بطل الرواية، وينستون سميث، فهو عضو في الحزب الخارجي وموظف في وزارة الحقيقة (مينيترو في اللغة الجديدة)، المسؤولة عن الدعاية ومراجعة التاريخ؛ وعمله هو إعادة كتابة المقالات القديمة وتغيير الحقائق التاريخية بحيث تتفق مع ما يعلنه الحزب على الدوام. يتلقى الموظفون في وزارة الحقيقة تعليمات تحدد التصحيحات المطلوبة، وتصفها بالتعديلات عوضًا عن الأكاذيب.  كما يعكف جزء كبير من الوزارة على تدمير المستندات الأصلية التي لا تتضمن تلك التعديلات. وبذلك يذهب الدليل على كذب الحكومة أدراج الرياح. يجتهد وينستون في عمله ويؤديه على أكمل وجه، مع أنه يبغض الحزب سرًا ويحلم بإضرام ثورة على الأخ الكبير.

تُعد 1984، بوصفها عمل خيالي سياسي وخيال علمي ديستوبي (منذر بنهاية العالم)، رواية كلاسيكية من حيث الحبكة والأسلوب، وقد أضيفت مصطلحاتها إلى الاستخدام الشائع منذ نشرها، ومنها: الأخ الكبير، والتفكير المزدوج، وجريمة فكر، والغرفة 101، وشاشة العرض، و2 + 2 = 5، وبئر الذكريات، بل وانتشرت صفة "أورويليّ" لتعني الخداع الحكومي والمراقبة السرية وتلاعب الدولة الشمولية السلطوية بالتاريخ الموثق.

اختارت مجلة تايم الرواية في عام 2005 ضمن أفضل 100 رواية كُتبت باللغة الإنجليزية بين سنتي 1923 و2005. ووصلت إلى قائمتَي دار نشر "Modern Library" لأفضل 100 رواية، متربعة في المركز الثالث عشر على قائمة المحرر، والمركز السادس في قائمة القراء. وفي 2003 وصلت إلى المركز الثامن في استفتاء أجرته هيئة الإذاعة البريطانية.

لخّص أورويل الفرضية التي تكمن خلف روايته القاسية في عام 1944، وإستلهمها من عواقب تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ بموجب مؤتمر طهران 1943، ثم شرع في كتابتها بعد ثلاث سنوات على جزيرة جورا الاسكتلندية بين سنتَي 1947 و1948 رغم معاناته المريرة مع السل. في 4  ديسمبر 1984، أرسل المخطوطة النهائية إلى دار النشر وصدرت الرواية في 8 يونيو 1949. وقد تُرجمت إلى 65 لغة بحلول 1989، أكثر من أي رواية إنجليزية أخرى في ذلك الحين.

 كثيرًا ما يستخدم عنوان الرواية وموضوعاتها واللغة الجديدة ولقب الكاتب لمناهضة تسلّط الدولة، بينما تصف كلمة "أورويليّ" الدولة الشمولية التي تسخر الحشود، أما "اللغة الجديدة" التي ابتكرها أورويل فهي تسخر من نفاق الحكومة، وتشرف وزارة الحب على التعذيب وغسل الأدمغة، ووزارة الوفرة على نقص الموارد وترشيد الاستهلاك، ووزارة السلام عن الحرب وويلاتها، وأخيرًا تراقب وزارة الحقيقة على الدعاية ومراجعة التاريخ.

كان اسم الرواية في البداية "الرجل الأخير في أوروبا"، ولكن أورويل ذكر في خطابه إلى الناشر "فريدريك واربيرغ" بتاريخ 22 أكتوبر 1948، أي قبل ثمانية أشهر من صدور الرواية، أنّه حائر بين هذا العنوان و1984، فاقترح عليه واربيرغ أن يختار الثاني لأنّه سيحقق رواجًا تجاريًا. ذهب أنتوني برجس في روايته 1985 أن أورويل كان قد شعر بالإحباط لنشوب الحرب الباردة (1945-1991) وأراد أن يسمّي تحفته الفنية 1948. ولكن مقدمة دار نشر بنغوين تذكر أن أحداث الرواية كانت في البداية في 1980، ثم عدلها الكاتب إلى 1982 وبعد ذلك 1984. ولعلّ العنوان قصد منه أن يكون قلبًا لتاريخ الكتابة (1948)، وتعرضت 1984 منذ صدورها لأول مرّة للمنع أو للملاحقة القضائية بحجة أنّها عمل هدام أو ذو أيديولوجية تخريبية، مثلها في ذلك مثل روايات مثل: عالم جديد شجاع لألدوس هكسلي (1932) وفهرنهايت 451 لراي برادبوري (1951).

تقع أحداث 1984 في أوقيانيا، إحدى الدول الثلاث العظمى التي  قسّمت العالم بعد حرب عالمية طاحنة. ويدور معظم الحبكة في لندن، عاصمة مقاطعة إيرستريب 1 الذي كانت تسمى إنجلترا أو بريطانيا. وتغص المدينة بملصقات لرئيس الحزب مكتوب عليها "الأخ الأكبر يراقبك"، في حين تراقب شاشات العرض الحياة العامة والخاصة للسكان. وينقسم الشعب في أوشينيا إلى ثلاث طبقات:

• الطبقة العليا، أو الحزب الداخلي، وهي الأقلية الحاكمة، وتشغل 2% من السكان.

• الطبقة الوسطى، أو الحزب الخارجي، وتشغل 13% من السكان.

•الطبقة الدنيا، أو البروليتاريا، وتشغل 85% من السكان، وهي الطبقة الأمية الكادحة.

يحكم الحزب الحاكم قبضته على الجمهور عن طريق أربع وزارات:

• وزارة السلام، وتعني بأمور الحرب والدفاع.

• وزارة الوفرة، وتعني بالشؤون الاقتصادية (تقليص الحصص الغذائية).

• وزارة الحب، وتعني بحفظ القانون والنظام (التعذيب وغسيل الأدمغة).

• وزارة الحقيقة، وتعني بالأخبار والترفيه والتعليم والفن (الدعاية).

 

‌ج- ملخص الكتاب:

يعيش وينستون سميث في مقاطعة إيرستريب 1، على أنقاض إنجلترا التي قوّضت الحرب والنزاع المسلح والثورة أركانها، وهو عضو في الحزب الخارجي، ويقطن في شقة من غرفة واحدة دون أي طعام سوى خبز القمح والوجبات الصناعية والخمر الصناعي.

تنتشر شاشات العرض في كل مبنى، إلى جانب ميكروفونات وكاميرات خفية، والتي تمكن شرطة الفكر من تحديد أي مصدر خطر على النظام، في حين يتعلم الأطفال الإبلاغ عمن يشتبهون في كونه مجرم فكر، ولا سيما آبائهم. يعمل وينستون في وزارة الحقيقة كمحرر مسؤول عن مراجعة التاريخ؛ فهو يعيد كتابة الوثائق ويغير الصور بحيث تتفق مع ما يعلن الحزب أنّه الحقيقة، ويمحو الأفراد المغضوب عليهم أو "اللا أشخاص"، كما يعدم الوثائق الأصلية في "ثقوب ذاكرة" مخصصة لذلك. يدهش وينستون لمعرفة الماضي الحقيقي ويحاول معرفة المزيد عنه، وفي غفلة من شاشة العرض بشقته، يشرع في كتابة مذكراته وانتقاد الحزب وزعيمه المعبود الأخ االكبير، وهي جريمة عقوبتها الوحيدة، إذا اكتشفتها شرطة الفكر، هي الإعدام.

في الوزارة، تعمل جوليا، شابة مختصة بصيانة آلات كتابة الروايات التي يمقتها وينستون. ثم تدس جوليا في يد وينستون ورقة تعترف فيها بحبها له، ويكتشف أنّها تبغض الحزب مثله تمامًا، فيهيمان ببعضهما حبًا ويلتقيان في الريف ثم في غرفة مؤجرة فوق متجر للتحف في إحدى أحياء لندن الفقيرة، وفي تلك الغرفة يشعران بالأمان لعدم وجود شاشة عرض.
يقترب وينستون من أوبراين، عضو الحزب الداخلي، الذي يشعر أنّه عميل للأخوية، وهي منظمة سرية تعتزم القضاء على الحزب. وبعد مناقشة بينهما، يعطيه أوبراين كتاب "الجماعية النخبوية بين النظرية والتطبيق" من تأليف إيمانويل غولدشتاين، قائد الأخوية المكروه شعبيًا. يشرح الكتاب مفهوم الحرب الدائمة، والمعنى الحقيقي لشعارات الحزب: الحرب هي السلام، والحرية هي العبودية، والجهل هو القوة ويشرح أيضا كيف يمكن الإطاحة بالحزب برفع الوعي السياسي للدهماء. تعتقل شرطة الفكر كل من وينستون وجوليا وتحتجزهما في وزارة الحب للتحقيق. ويتضح أن مالك المتجر الذي أجر الغرفة لهما هو أحد عناصر شرطة الفكر، بل وإن أوبراين نفسه من عناصرها، ولكنه يدعي المعارضة للإيقاع بمجرمي الفكر المحتملين. يتعرض وينستون لتعذيب أليم كي "يشفى من جنونه" (كراهيته للحزب).

يتبجح أوبراين بأن ما يدفع أعضاء الحزب الداخلي هي السلطة التامة والمطلقة، هازئًا من تبرير وينستون أنّهم يسعون للسلطة "للمنفعة العامة". ومن ثم، يعترف وينستون بجرائم ارتكبها ولم يرتكبها، ويدين الجميع، بما فيهم جوليا، ولكن أوبراين لا يقتنع بتلك الاعترافات ويرسله إلى الغرفة 101، آخر مراحل إعادة تأهيله والغرفة الأكثر إثارة للذعر في وزارة الحب بأسرها؛ إذ تحتوي على أسوأ مخاوف السجين. يوضع وجه وينستون في قفص حديدي ملئ بالفئران الجائعة، وحينها يخون حبه لجوليا، ويصيح بهم أن يعذبوها بدلًا منه. وفيما بعد يتقابل وينستون وجوليا في إحدى الحدائق بعد أن أعيد دمجهما في المجتمع، حيث تكشف أنّها تعرضت أيضًا للتعذيب، ويقران لبعضهما أن كلا منهما قد خان الآخر.

أدمن وينستون الخمر ليهرب من ذكرياته التي صار يؤمن أنها محض أوهام، بينما تعلن نشرات الأخبار عن "انتصار ساحق" أمام جيش أوراسيا على الأراضي الأفريقية. ثم تبدأ احتفالات صاخبة، يتخيل وينستون أنه يشارك فيها، ناظرًا بكل إعجاب للوحة للأخ الكبير، ويسدل الستار على أحداث الرواية عندما يشعر أنه قد أنهى "منفاه الاختياري العنيد" عائدًا إلى حب الأخ الكبير.

د- الانطباع الشخصي:

 قبل قراءة الرواية لا بد من الاطلاع على الترجمات المختلفة لمعرفة الترجمة التي تناسبك، لأهمية التجدد الذي أتى به جورج أورويل في موضوع اللغة. موضوع القصة أكثر من رائع ويصلح لكل زمان، إذ على الرغم من مرور الزمن على كتابتها 1948، إلّا أنّها لا زالت تصلح لاستخلاص العبر منها للواقع السياسي الذي نعيشه الآن، إن كان على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فبعيدًا عن نظرية المؤامرة، فكل الذي يتم الآن من أحداث هو عبارة تزييف للحقائق ومحاولة لقلب المعايير، مع أن الكاتب حاول في الصفحة 15 من الرواية استعمال مسألة مظلومية اليهود السائدة في العالم الغربي للدلالة على الظلم، وقد ورد هذا الأمر في أكثر من مقطع، أسبوع الكراهية ودقيقتين الكراهية الذي يحضر لهم مسبقاً، يشابه لحدٍ بعيد ما يجري في بلادنا الآن.

أنصح به بشدة لمحبّي هذا النوع من الكتابة (ديستوبيا)، علم السياسة والاجتماع، فقد بلغ أورويل الحد الذي لا أتصوّر بأن كاتب آخر ممكن أن يصل له.

 

ه- اقتباسات من الكتاب:

-       إلّا أن الغرفة أيقظت فيه نوعًا من الحنين إلى الماضي، وفكّر في روعة الجلوس في غرفة كهذه، على كرسي ذي ذراعين، وإلى جواره مدفأة يمدّ قدميه على حاجزها، والقهوة على الموقد، شاعراً بعزلة تامّة وأمانٍ تام، دون أن تراقبه عين أو يطارده صوت، ولا يشقّ حجاب هذا السكون إلا صوت غليان الماء ودقّات الساعة الشجيّة.

-       لكنّ الماضي الذي هو في طبيعته قابل لإعادة النظر.. لم يحدث أبدًا أن تغيّر، فما هو صحيح اليوم كان صحيحاً منذ الأزل وسيبقى كذلك إلى الأبد.

-       إنّ ألدّ أعدائك هو جهازك العصبيّ وما يعتمل في نفسك من توتّر قد يُورّطك في عمل لا تُحمد عُقباه.

-       من يتحكم في الماضي يتحكم في المستقبل، ومن يتحكم في الحاضر يتحكم في الماضي.

-       انبعث صوت مزعج ومخيف من شاشة الرصد في طرف القاعة، كما لو أنه يصدر عن آلة قد جفّ زيتها، كان صوتاً تصطكّ له الأسنان ويقف له شعر الرأس، ولم يكن ذلك إلا إيذاناً ببدء فعاليات الكراهية.

 

قراءة محمد إسماعيل الصّغير
الجيل الثالث
-2019-

 

‌أ- نبذة عن الكاتب:

-       إريك آرثر بلير Eric Arthur Blair  هو الاسم الحقيقي لجورج أورويل، الاسم المستعار له والذي اشتهر به.

-       هو صحافي وروائي بريطاني عمله كان يشتهر بالوضوح والذكاء وخفة الدم، والتحذير من غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولي وإيمانه بالاشتراكية الديمقراطية.

-       كتب أورويل في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة الجدلية. أكثر عمل عُرف به هو رواية 1984 التي كتبها في عام 1949م، وروايته المجازية مزرعة الحيوان عام 1945م. والإثنين تم بيع نسخهم معًا أكثر من أي كتاب آخر لأيّ من كتّاب القرن العشرين.

-       كتابه تحية لكتالونيا في عام 1938م كان ضمن رصيد خبراته في الحرب الأهليّة الإسبانية، والمشهود به على نطاق واسع على أنّه مقاله الضخم في السياسية والأدب واللغة والثقافة.

-       في عام 2008م وضعته صحيفة التايمز في المرتبة الثانية في قائمة "أعظم 50 كاتب بريطاني".

-       منذ عام 1945 استمر تأثير أعمال أورويل على الثقافة السياسية السائدة، ومصطلح أورويلية الذي يصف ممارسات الحكم الاستبدادي والشمولي والتي دخلت في الثقافة الشعبية مثل ألفاظ عديدة أخرى من ابتكاره مثل: "الأخ الأكبر، التفكير المزدوج، الحرب الباردة، جريمة الفكر وشرطة الفكر".

-       عانى أورويل من مرض السل في وقت مبكر، وتوفي في العام 1950 ولم يبلغ حينها سوى السادسة والأربعين من العمر.

‌ب- نبذة عن الكتاب:

1984، (Nineteen Eighty-Four) هي رواية ديستوبية من تأليف جورج أورويل نُشرت سنة 1949. تقع أحداث الرواية في إيرستريب (بريطانيا العظمى سابقًا)، وهي مقاطعة من دولة عظمى تدعى أوقيانيا، في عالم لا تهدأ فيه الحرب والرقابة الحكومية والتلاعب بالجماهير.

ترزح تلك المقاطعة تحت نير نظام سياسي يدعو نفسه زورًا بالاشتراكية الإنجليزية أو الإنجراكية (حسب "نيوسبيك" اللغة الجديدة التي ابتكرتها الحكومة)، وتملك زمامه نخبة أعضاء الحزب الداخلي الذين يلاحقون الفردية والتفكير الحر بوصفها جرائم فكر.

يُجسَّد الأخ الكبير طغيان النظام، وهو قائد يحكم كزعيم لا يأتيه الحق من بين يديه ولا من خلفه، وإن كان ثمة احتمال أنّه لا وجود له. يسعى الحزب للسلطة لا لشيء سوى لذاتها، لا لمصلحة الآخرين. أما بطل الرواية، وينستون سميث، فهو عضو في الحزب الخارجي وموظف في وزارة الحقيقة (مينيترو في اللغة الجديدة)، المسؤولة عن الدعاية ومراجعة التاريخ؛ وعمله هو إعادة كتابة المقالات القديمة وتغيير الحقائق التاريخية بحيث تتفق مع ما يعلنه الحزب على الدوام. يتلقى الموظفون في وزارة الحقيقة تعليمات تحدد التصحيحات المطلوبة، وتصفها بالتعديلات عوضًا عن الأكاذيب.  كما يعكف جزء كبير من الوزارة على تدمير المستندات الأصلية التي لا تتضمن تلك التعديلات. وبذلك يذهب الدليل على كذب الحكومة أدراج الرياح. يجتهد وينستون في عمله ويؤديه على أكمل وجه، مع أنه يبغض الحزب سرًا ويحلم بإضرام ثورة على الأخ الكبير.

تُعد 1984، بوصفها عمل خيالي سياسي وخيال علمي ديستوبي (منذر بنهاية العالم)، رواية كلاسيكية من حيث الحبكة والأسلوب، وقد أضيفت مصطلحاتها إلى الاستخدام الشائع منذ نشرها، ومنها: الأخ الكبير، والتفكير المزدوج، وجريمة فكر، والغرفة 101، وشاشة العرض، و2 + 2 = 5، وبئر الذكريات، بل وانتشرت صفة "أورويليّ" لتعني الخداع الحكومي والمراقبة السرية وتلاعب الدولة الشمولية السلطوية بالتاريخ الموثق.

اختارت مجلة تايم الرواية في عام 2005 ضمن أفضل 100 رواية كُتبت باللغة الإنجليزية بين سنتي 1923 و2005. ووصلت إلى قائمتَي دار نشر "Modern Library" لأفضل 100 رواية، متربعة في المركز الثالث عشر على قائمة المحرر، والمركز السادس في قائمة القراء. وفي 2003 وصلت إلى المركز الثامن في استفتاء أجرته هيئة الإذاعة البريطانية.

لخّص أورويل الفرضية التي تكمن خلف روايته القاسية في عام 1944، وإستلهمها من عواقب تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ بموجب مؤتمر طهران 1943، ثم شرع في كتابتها بعد ثلاث سنوات على جزيرة جورا الاسكتلندية بين سنتَي 1947 و1948 رغم معاناته المريرة مع السل. في 4  ديسمبر 1984، أرسل المخطوطة النهائية إلى دار النشر وصدرت الرواية في 8 يونيو 1949. وقد تُرجمت إلى 65 لغة بحلول 1989، أكثر من أي رواية إنجليزية أخرى في ذلك الحين.

 كثيرًا ما يستخدم عنوان الرواية وموضوعاتها واللغة الجديدة ولقب الكاتب لمناهضة تسلّط الدولة، بينما تصف كلمة "أورويليّ" الدولة الشمولية التي تسخر الحشود، أما "اللغة الجديدة" التي ابتكرها أورويل فهي تسخر من نفاق الحكومة، وتشرف وزارة الحب على التعذيب وغسل الأدمغة، ووزارة الوفرة على نقص الموارد وترشيد الاستهلاك، ووزارة السلام عن الحرب وويلاتها، وأخيرًا تراقب وزارة الحقيقة على الدعاية ومراجعة التاريخ.

كان اسم الرواية في البداية "الرجل الأخير في أوروبا"، ولكن أورويل ذكر في خطابه إلى الناشر "فريدريك واربيرغ" بتاريخ 22 أكتوبر 1948، أي قبل ثمانية أشهر من صدور الرواية، أنّه حائر بين هذا العنوان و1984، فاقترح عليه واربيرغ أن يختار الثاني لأنّه سيحقق رواجًا تجاريًا. ذهب أنتوني برجس في روايته 1985 أن أورويل كان قد شعر بالإحباط لنشوب الحرب الباردة (1945-1991) وأراد أن يسمّي تحفته الفنية 1948. ولكن مقدمة دار نشر بنغوين تذكر أن أحداث الرواية كانت في البداية في 1980، ثم عدلها الكاتب إلى 1982 وبعد ذلك 1984. ولعلّ العنوان قصد منه أن يكون قلبًا لتاريخ الكتابة (1948)، وتعرضت 1984 منذ صدورها لأول مرّة للمنع أو للملاحقة القضائية بحجة أنّها عمل هدام أو ذو أيديولوجية تخريبية، مثلها في ذلك مثل روايات مثل: عالم جديد شجاع لألدوس هكسلي (1932) وفهرنهايت 451 لراي برادبوري (1951).

تقع أحداث 1984 في أوقيانيا، إحدى الدول الثلاث العظمى التي  قسّمت العالم بعد حرب عالمية طاحنة. ويدور معظم الحبكة في لندن، عاصمة مقاطعة إيرستريب 1 الذي كانت تسمى إنجلترا أو بريطانيا. وتغص المدينة بملصقات لرئيس الحزب مكتوب عليها "الأخ الأكبر يراقبك"، في حين تراقب شاشات العرض الحياة العامة والخاصة للسكان. وينقسم الشعب في أوشينيا إلى ثلاث طبقات:

• الطبقة العليا، أو الحزب الداخلي، وهي الأقلية الحاكمة، وتشغل 2% من السكان.

• الطبقة الوسطى، أو الحزب الخارجي، وتشغل 13% من السكان.

•الطبقة الدنيا، أو البروليتاريا، وتشغل 85% من السكان، وهي الطبقة الأمية الكادحة.

يحكم الحزب الحاكم قبضته على الجمهور عن طريق أربع وزارات:

• وزارة السلام، وتعني بأمور الحرب والدفاع.

• وزارة الوفرة، وتعني بالشؤون الاقتصادية (تقليص الحصص الغذائية).

• وزارة الحب، وتعني بحفظ القانون والنظام (التعذيب وغسيل الأدمغة).

• وزارة الحقيقة، وتعني بالأخبار والترفيه والتعليم والفن (الدعاية).

 

‌ج- ملخص الكتاب:

يعيش وينستون سميث في مقاطعة إيرستريب 1، على أنقاض إنجلترا التي قوّضت الحرب والنزاع المسلح والثورة أركانها، وهو عضو في الحزب الخارجي، ويقطن في شقة من غرفة واحدة دون أي طعام سوى خبز القمح والوجبات الصناعية والخمر الصناعي.

تنتشر شاشات العرض في كل مبنى، إلى جانب ميكروفونات وكاميرات خفية، والتي تمكن شرطة الفكر من تحديد أي مصدر خطر على النظام، في حين يتعلم الأطفال الإبلاغ عمن يشتبهون في كونه مجرم فكر، ولا سيما آبائهم. يعمل وينستون في وزارة الحقيقة كمحرر مسؤول عن مراجعة التاريخ؛ فهو يعيد كتابة الوثائق ويغير الصور بحيث تتفق مع ما يعلن الحزب أنّه الحقيقة، ويمحو الأفراد المغضوب عليهم أو "اللا أشخاص"، كما يعدم الوثائق الأصلية في "ثقوب ذاكرة" مخصصة لذلك. يدهش وينستون لمعرفة الماضي الحقيقي ويحاول معرفة المزيد عنه، وفي غفلة من شاشة العرض بشقته، يشرع في كتابة مذكراته وانتقاد الحزب وزعيمه المعبود الأخ االكبير، وهي جريمة عقوبتها الوحيدة، إذا اكتشفتها شرطة الفكر، هي الإعدام.

في الوزارة، تعمل جوليا، شابة مختصة بصيانة آلات كتابة الروايات التي يمقتها وينستون. ثم تدس جوليا في يد وينستون ورقة تعترف فيها بحبها له، ويكتشف أنّها تبغض الحزب مثله تمامًا، فيهيمان ببعضهما حبًا ويلتقيان في الريف ثم في غرفة مؤجرة فوق متجر للتحف في إحدى أحياء لندن الفقيرة، وفي تلك الغرفة يشعران بالأمان لعدم وجود شاشة عرض.
يقترب وينستون من أوبراين، عضو الحزب الداخلي، الذي يشعر أنّه عميل للأخوية، وهي منظمة سرية تعتزم القضاء على الحزب. وبعد مناقشة بينهما، يعطيه أوبراين كتاب "الجماعية النخبوية بين النظرية والتطبيق" من تأليف إيمانويل غولدشتاين، قائد الأخوية المكروه شعبيًا. يشرح الكتاب مفهوم الحرب الدائمة، والمعنى الحقيقي لشعارات الحزب: الحرب هي السلام، والحرية هي العبودية، والجهل هو القوة ويشرح أيضا كيف يمكن الإطاحة بالحزب برفع الوعي السياسي للدهماء. تعتقل شرطة الفكر كل من وينستون وجوليا وتحتجزهما في وزارة الحب للتحقيق. ويتضح أن مالك المتجر الذي أجر الغرفة لهما هو أحد عناصر شرطة الفكر، بل وإن أوبراين نفسه من عناصرها، ولكنه يدعي المعارضة للإيقاع بمجرمي الفكر المحتملين. يتعرض وينستون لتعذيب أليم كي "يشفى من جنونه" (كراهيته للحزب).

يتبجح أوبراين بأن ما يدفع أعضاء الحزب الداخلي هي السلطة التامة والمطلقة، هازئًا من تبرير وينستون أنّهم يسعون للسلطة "للمنفعة العامة". ومن ثم، يعترف وينستون بجرائم ارتكبها ولم يرتكبها، ويدين الجميع، بما فيهم جوليا، ولكن أوبراين لا يقتنع بتلك الاعترافات ويرسله إلى الغرفة 101، آخر مراحل إعادة تأهيله والغرفة الأكثر إثارة للذعر في وزارة الحب بأسرها؛ إذ تحتوي على أسوأ مخاوف السجين. يوضع وجه وينستون في قفص حديدي ملئ بالفئران الجائعة، وحينها يخون حبه لجوليا، ويصيح بهم أن يعذبوها بدلًا منه. وفيما بعد يتقابل وينستون وجوليا في إحدى الحدائق بعد أن أعيد دمجهما في المجتمع، حيث تكشف أنّها تعرضت أيضًا للتعذيب، ويقران لبعضهما أن كلا منهما قد خان الآخر.

أدمن وينستون الخمر ليهرب من ذكرياته التي صار يؤمن أنها محض أوهام، بينما تعلن نشرات الأخبار عن "انتصار ساحق" أمام جيش أوراسيا على الأراضي الأفريقية. ثم تبدأ احتفالات صاخبة، يتخيل وينستون أنه يشارك فيها، ناظرًا بكل إعجاب للوحة للأخ الكبير، ويسدل الستار على أحداث الرواية عندما يشعر أنه قد أنهى "منفاه الاختياري العنيد" عائدًا إلى حب الأخ الكبير.

د- الانطباع الشخصي:

 قبل قراءة الرواية لا بد من الاطلاع على الترجمات المختلفة لمعرفة الترجمة التي تناسبك، لأهمية التجدد الذي أتى به جورج أورويل في موضوع اللغة. موضوع القصة أكثر من رائع ويصلح لكل زمان، إذ على الرغم من مرور الزمن على كتابتها 1948، إلّا أنّها لا زالت تصلح لاستخلاص العبر منها للواقع السياسي الذي نعيشه الآن، إن كان على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فبعيدًا عن نظرية المؤامرة، فكل الذي يتم الآن من أحداث هو عبارة تزييف للحقائق ومحاولة لقلب المعايير، مع أن الكاتب حاول في الصفحة 15 من الرواية استعمال مسألة مظلومية اليهود السائدة في العالم الغربي للدلالة على الظلم، وقد ورد هذا الأمر في أكثر من مقطع، أسبوع الكراهية ودقيقتين الكراهية الذي يحضر لهم مسبقاً، يشابه لحدٍ بعيد ما يجري في بلادنا الآن.

أنصح به بشدة لمحبّي هذا النوع من الكتابة (ديستوبيا)، علم السياسة والاجتماع، فقد بلغ أورويل الحد الذي لا أتصوّر بأن كاتب آخر ممكن أن يصل له.

 

ه- اقتباسات من الكتاب:

-       إلّا أن الغرفة أيقظت فيه نوعًا من الحنين إلى الماضي، وفكّر في روعة الجلوس في غرفة كهذه، على كرسي ذي ذراعين، وإلى جواره مدفأة يمدّ قدميه على حاجزها، والقهوة على الموقد، شاعراً بعزلة تامّة وأمانٍ تام، دون أن تراقبه عين أو يطارده صوت، ولا يشقّ حجاب هذا السكون إلا صوت غليان الماء ودقّات الساعة الشجيّة.

-       لكنّ الماضي الذي هو في طبيعته قابل لإعادة النظر.. لم يحدث أبدًا أن تغيّر، فما هو صحيح اليوم كان صحيحاً منذ الأزل وسيبقى كذلك إلى الأبد.

-       إنّ ألدّ أعدائك هو جهازك العصبيّ وما يعتمل في نفسك من توتّر قد يُورّطك في عمل لا تُحمد عُقباه.

-       من يتحكم في الماضي يتحكم في المستقبل، ومن يتحكم في الحاضر يتحكم في الماضي.

-       انبعث صوت مزعج ومخيف من شاشة الرصد في طرف القاعة، كما لو أنه يصدر عن آلة قد جفّ زيتها، كان صوتاً تصطكّ له الأسنان ويقف له شعر الرأس، ولم يكن ذلك إلا إيذاناً ببدء فعاليات الكراهية.

 

قراءة محمد إسماعيل الصّغير
الجيل الثالث
-2019-

 

-->