الريجيم الثقافي

يا أمّ العواجز مدد!




بتول ذياب (الجيل السادس- ورشة الكتابة الإبداعية)

"أمّ العواجز" للكاتب يحيى حقّي (دار المدى للثقافة والنشر 2011)

الطبعة الأولى: 1955

يحيى حقّي: كاتب وروائي وقاصّ مصري، يعد من روّاد القصة القصيرة، درس الحقوق وعمل في المحاماة والسلك الدبلوماسيّ والعمل الصحفيّ. له العديد من الأعمال البارزة في تاريخ الأدب والسينما، من بينها رواية "قنديل أمّ هاشم" التي تحوّلت إلى عمل سينمائي في العام 1986.

"أمّ العواجز" هي مجموعة قصصيّة تتضمّن قصصًا ترجع لعهود مختلفة من حياة الكاتب وتتناول بعضًا من ذكريات صباه وشبابه كما ذكر في المقدّمة عن هدفه من هذا الإصدار أن يجمع قصصه "لنعيش معًا من جديد كأفراد الأسرة يجتمعون بعد تفرّق تحت سقف واحد". تحمل القصة الافتتاحية عنوان الكتاب ويليها ستة عشر قصة (مرآة بلا زجاج، احتجاج، إفلاس خاطبة، كوكو، صورة، تنوّعت الأسباب، وراء الستار، ذكريات دكّان، قصّة في عرضحال، عقرب أفندي، في السينما، الدرس الأول، صحوة، حصير الجامع، إزازة ريحة، الشاعر بصير). تركت القصة الأولى أثرًا كبيرًا عند الكاتب الذي قدّم نفسه أحد شخصيّات القصّة التي تدور أحداثها حول شخصيّة بائع الخضار "أبو خليل" الذي ضاقت به الدنيا حتى عمل متسولًا في مسجد أم العواجز.

تبدأ القصّة بتعرّف الكاتب إلى إبراهيم (أبو خليل) بائع الخضار الخلوق والمجدّ الذي يفترش الرصيف أمام الدكّان التركي. اضطر أبو خليل لترك مهنته بعد أن قدمَت إمرأة ومعها ثلاثة صبية تبيع الخضار وتنادي على المارّين ليشتروا منها. حزن أبو خليل في البداية على حاله لكنه استدرك الأمر بسرعة وفكّر أن يتقرّب منها فهي وحيدة ومعها أطفالها، سيشاركها العمل والمال والحياة. وحين تقرّبا من بعضهما البعض، ظهر زوجها الذي كان مختفياً لسنوات فما كان من أبو خليل إلّا أن ابتعد عن المكان واختفى عن أنظار الجميع لمدة طويلة. بحث الكاتب عنه فوجده بعد حين حافي القدمين بثيابٍ ممزّقة يعمل بسعادة في تبخير الدكاكين، لكن حاله هذه أيضًا لم تدم طويلًا بعد أن سلبه منافسٌ جديد عمله. شعر أبو خليل أنّه هزم فوجد نفسه يمضي إلى مسجد أمّ العواجز متمتمًا: "يا أم العواجز! مدد.."

القصّة الثانية "مرآة بلا زجاج" تميّزت بالغموض والتشويق، وكان هدف الكاتب منها إيصال أهمية فكرة معرفة الشخص لنفسه من الداخل حتّى يعرف الطريق الصحيح بحياته وكيف يراه الناس.

أمّا المفاجأة فكانت في القصة الرابعة التي تحمل عنوان "إفلاس خاطبة" وتدور حول شخصية عبد العزيز الذي لديه رغبة عارمة للزواج، ويعرفه الجميع على هذا الحال. ولكثرة ما استحوذ موضوع الزواج على تفكيره حتى أقلقه، قرّر أن يمضي في زواج تقليدي مستعينًا بخطّابة تفتّش له عن عروسٍ مناسبة. مرّت الأيام وهو يتفرّج ويتفحّص صور الفتيات التي تجلبهنّ الخطابة إليه لكن لم تعجبه ولا واحدة منهن، إلى أن انتهى به المطاف بإعجابه بالخطاّبة فتزوجها!

في قصته الثانية عشرة المعنونة "الدرس الأول"، تحدّث حقّي عن الأقاليم المختلفة في مصر وحالتها، وعن القطارات والسائقين والركاب، وعن مدى ارتباط الشعب المصريّ بالتراث الدينيّ ومحبّتهم للنبيّ محمّد وآل بيته.

باختصار، يمكن القول أنّ الكاتب يحيى حقّي اختار لنا أسلوبه وموضوعات كتاباته بحكمة: فلكلّ قصّة هدف يودّ إيصاله لنا عبر قصص مشوّقة ذات حبكة فنّيّة دراميّة، بالإضافة إلى اقتراب الكاتب من الناس البسيطة والحياة الشعبية والأصالة التاريخيّة أعطى للمجموعة القصصيّة "أمّ العواجز" طابعًا مميّزًا يحاكي الواقع.