الريجيم الثقافي

في مرايا التحولات الرقمية ومصير الإعلام




فاطمة جوني
(الجيل السادس - ورشة الكتابة الإبداعية)

ماذا سيحدث لو أتى يوم أقفل فيه الفيسبوك أبوابه؟ هل يمكن تخيّل حجم الهستيريا التي ستنتاب العالم كله؟ وماذا عن عالم الـ"ميتافيرس" ووجوب استعداد المناهج التعليمية له؟ أسئلة لافتة يطرحها الكاتب غسان مراد في "مرايا التحولات الرقمية" الصادر هذا العام عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر. يسعى الدكتور والباحث الأكاديمي إلى حثّ القارئ على التفكّر في ما يطرحه من خلال تقديمه لمشكلات متعدّدة أبسطها "الهلع" الذي سنعيشه في حال لم يعد بإمكاننا التواصل، وهو مشهد عانى منه المستهلكون أكثر من مرة في العالم الافتراضي تحت ظروف مختلفة منها: حدوث خللٍ تقني في الخوارزميات، والتوقف القسري أو الظرفي المؤقت.

ينقسم الكتاب إلى مقدمة وأربعة فصول تحتوي على مواضيع هامة ومتشعبة لكنّها في الوقت نفسه مترابطة فيما بينها، ويمتاز في بنيته، كما جاء في مقدمة الكاتب، بسلاسة تمكّن القارئ من اختيار السلسلة أو العنوان المراد الاطلاع عليه وقراءته على حدة. في هذه الفصول جملةٌ من التساؤلات والإشكاليات يتناولها مراد بقالبٍ علمي ومعرفي بحثي، أبرزها ما يواجه سير تحول الإعلام والتعنت بهويته التقليدية على سبيل المثال. كما يتعدى  الكاتب الطرح الحديث عن التربية والتعليم وثورة التكنولوجيا والأدب والإعلام الرقميّين، بتقييم العلاقة بين الماضي والحاضر من حيث سلبيات "الرفض والهوس" بالأدوات وإيجابيّاته؛ داعيًا إلى البحث عن رؤية فكرية جديدة تُستمدّ من الواقع لكن من دون إحداث قطيعة مع ما سبقها.

يلحظ أنّ المساحة الأكبر من الكتاب يحتلها موضوع الثورة التقنية والنهضة العلمية حيث يتطرّق مراد إلى الدراسات والتجارب التي أدت إلى ظهور الروبوت الحيوي والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى ربط التحول الرقمي بالدماغ والفكر والرياضيات. يعرّج الكاتب تاريخياً على الثورات المعرفية بدءًا من مرحلة بناء اللغة، ثم مرحلة الكتابة، وصولاً لثورة الطباعة التي غيرت معها أساليب الكتابة، ويختم بالمرحلة الرابعة أي مرحلتنا الحالية المسماة بـ"الثورة الرقمية وصناعة الإلكترونيات". الجدير بالذكر أنّ الباحث ربط عالم الميتافيرس وصناعة الخوارزميات بالمناهج التعليمية الخاصة بطلاب الإعلام، موضحًا أنّ الإعلام اليوم أصبح بحاجة إلى مختصّين ملمّين بالتقنيات المتعلقة بعلوم الإعلام كافة، نسبةً إلى كم التحولات الذي يشهده العالم. تحتم هذه المتغيرات على العاملين في هذا المجال عدم الاكتفاء بالإدارة والإشراف، بل اكتساب معرفة بناء المنصات الرقمية وتصميم الخوارزميات إذ لم يعد يكفي خريج الإعلام بناء خلفية أو بنية معرفية في أساسيات العمل الصحافي مثل الكتابة وإعداد التقارير، بل أصبح من الضروري تأهيله لاكتساب معارف في علم الحاسوب مثل تصميم البرمجيات وكل ما يرتكز على الخوارزميات وأدوات البحث، وصولًا إلى قواعد البيانات والإحصاء وكل ما له علاقة بالـ"ويب الدلالي".
كما يلقي هذا الكتاب الضوء أيضًا على أزمة التعليم والأسرة وسلطات رأس المال التي ولّدت أزمات اقتصادية، إضافة إلى سلطة المصارف العالمية التي تتحكم في العالم. مشكلة هذه السلطات أنّها تلجأ دائماً إلى حلول للأزمات لا تتلاءم مع المتغيرات الحالية، ولا تطرح أفكارًا تحاكي الواقع المعاش.

يتميّز الكتاب بكونه شمولي يعالج جذور المشكلة ويطرح الأسباب ويبرز النتائج مع عرض للتوقعات وحتمية الانتقال من مرحلة البحث إلى مرحلة التطوير فالمواكبة فالتطبيق. كما يمكن اعتباره مرجعًا علميًا للكادر الأكاديمي لوفرة معلوماته حول علوم الإعلام والتواصل. ويضعنا الكتاب أمام تساؤل يلحظ أنّ المتضرر منه هم خريجي الإعلام والعاملين في هذا المجال وفق المعرفة والتقنيات السابقين، ألا وهو: من يحمي الإعلام إذا ما كانت متطلبات سوق العمل مكتسبة من قبل حديثي التخرج؟

"التحول الرقمي ليس خطابًا، بل هو تمثّل للمعرفة مقرونٌ بفعلٍ وممارسة" لعلها الجملة الأبرز التي تختصر واقعنا وهويتنا الرقمية البعيدة كل البعد عن قواعد التطبيق، والمتمثلة بالعجز والتقصير، والمتوقفة عند وضع الأساسات والمحاولات فقط.

 

21 آب 2022