الريجيم الثقافي

عن "عتبة الألم" وما بعدها




عن "عتبة الألم" وما بعدها

 أحمد المحمود

(الجيل السادس - ورشة الكتابة الإبداعية)

 

ماذا تعني عبارة "عتبة الألم"؟ يُعرّف مصطلح عتبة الألم pain threshold في الطب بكونه الحد الأقصى الذي يستطيع فيه الإنسان تحمل ألم جسدي معين، وأي تجاوز لهذه النقطة يرفع من شدة الألم لدى الإنسان. ولكن هل هنالك طريقة للحد من هذه العتبة أو حتى تجنّبها؟

"عتبة الألم" (نشر دار الفرات، 2016)، هي رواية للكاتب والسينمائي الفلسطيني السوري حسن سامي يوسف، االذي اشتهرت أعماله من خلال مسلسلات عدة منها: "الانتظار" (2006)، "الغفران" (2011)، وبالطبع مسلسل "الندم" (2016) الذي نال نجاحاً كبيراً وهو مقتبسٌ عن هذه الرواية.

في حوالي ثلاثمائة صفحة يسرد الكاتب مشهديات يُتبِعها بسيرة ذاتية، يعرض فيها أحداث حرب سوريا خلال فترة كتابة الرواية (2015). يتحدث حسن سامي يوسف عن طفولته ونشأته وسفره، ويركز بشق كبير من الرواية على "مخيم اليرموك" المكان الذي عاش فيه قبل أن يتحول إلى ساحة للمعارك. مسألة هويته الفلسطينية، والتي تجنب ذكرها بأي من أعماله الدرامية، كان لها حيزاً في الرواية حيث عبّر عنها بالقول أنّه وبالرغم من أنّ سوريا هي بمثابة بلده الأم إلا إنه كان ولازال يعد نفسه مجرد "لاجئ" لا دخل له بالأحداث "السورية" التي تجري من حوله. كما يذكر علاقاته العاطفية والتي كان لها تأثير كبير على شخصيات أبطال مسلسلاته، ولعل أبرزهم كانت هناء التي وصفها بأنّها "غصة العمر".

تتميز رواية "عتبة الألم"، بالسرد العفوي، حيث أنّها لا تتبع النمط الروائي المعتاد أو كتب السيرة الذاتية الكلاسيكية، بالإضافة إلى استخدامه للغة المحكية "العامية" بكثرة، مما جعل الرواية أشبه بجلسة صراحة مع الكاتب حسن سامي يوسف.

أما عن التشابه بين الرواية ومسلسل "الندم"، فإنّنا لن نرى الكثير من الرواية في المسلسل، مع أنّ معظم المشاهد مأخوذة كما هي من الرواية إلى حد يصعب على القارئ الذي شاهد العمل قبل قراءته للرواية، أن يفصل بين حسن سامي يوسف و"عروة"؛ البطل الذي جسّد دوره ببراعة الممثل السوري محمود نصر. فحسن سامي يوسف، استبدل بطل الرواية ببطل آخر (عروة) يكتب سيناريو مسلسل بعنوان "الندم"، يسرد فيه قصة عائلته "عائلة الغول" وهي عائلة لا صلة لها بالرواية. ومع أنّ "هناء" كانت أحد أوجه الشبه بين الرواية والمسلسل، لكن هناك اختلاف في أسباب انتهاء العلاقة بينهما، وكأن الكاتب كان يجيب على سؤال طرحه على نفسه: ماذا لو؟. بصرياً استطاع مخرج العمل الليث حجو، التنقل بذكاء بين الحاضر والماضي فبدل أن يصوّر الماضي بالأبيض والأسود كما هو شائع في الأعمال الدرامية، اختار المخرج أن يجعل مشاهد الماضي كلها ملوّنة بينما الحاضر بلا ألوان، دلالة على أن الحياة كانت أجمل من الحاضر الذي يطغى عليه الدمار والحزن.

"عتبة الألم"، هي رواية أشبه بسيرة ذاتية لمؤلفها الكاتب حسن سامي يوسف، يسرد من خلالها معاناته فلسطينياً خارج أرضه، ويوثق لنا الحرب التي ضربت سوريا من قلب العاصمة دمشق، بطريقته الخاصة. ويبقى السؤال: كيف نرفع عتبة ألمنا إلى الحد الذي يقل فيه تأثرنا بكل ما يحدث حولنا؟

 

 26-1-2023