الريجيم الثقافي

مسلسل "من شارع الهرم إلى"




"أزمة مجتمعاتنا الإسلامية تبتدي بالقلم اللي ما فيه حبر".

بهذه الجملة لخّصت الكاتبة هبة مشاري حمادة في مسلسلها لهذا العام "من شارع الهرم إلى"، حال مجتمعنا العربي مشيرة بذلك إلى أنّنا جُبلنا على تبنّي أفكار وعقائد قد تبدو من الخارج متممة وخاضعة للقيم الاجتماعية والدينية، إلّا أنّها غالباً ما تكون من الداخل إما مزيفة وإما ناقصة وإما فارغة كقلم "نزار" (الشخصية التي أداها الممثل الكويتي محمد رمضان)٠

في الواقع، ينطبق هذا الحال أيضاً على مسلسلاتنا العربية، فمع أنّ هناك أعمال كثيرة تعرض على الشاشات، إلا أن قلة قليلة منها يكون محبوكاً ومتقناً ومليئًا بالحبر إذا صحّ التعبير. يأتي المسلسل الكويتي "من شارع الهرم إلى" ( نص هبة مشاري حمادة، إخراج المثنى صبح، إنتاج أم بي سي) كحالة منفردة وسط مجموعة من المسلسلات الضعيفة لهذا العام؛ وهو خير دليل على أنّنا لا زلنا نمتلك مسلسلات وأقلام "مملوءة بالحبر".

بأداء محترف ومهارة عالية، تحمل هدى حسين المسلسل على كتفيها. فهي كعادتها أبدعت بدور "عبلة" في تصوير المرأة الخليجية القوية الناجحة في عملها طبيبة نسائية، والأم الحنونة والحاسمة في الوقت عينه؛ فهي تملك مستشفى تعمل فيه مع أبنائها الستة، الأطباء أيضاً ولكل منهم حكاية خاصة. بدايةً نرى الابن البخيل أنس (خالد البريكي) المستعد للتخلي عن أي شيء أو أحد مقابل المال، ثم يظهر الابن المتطرّف نزار (محمد الرمضان) الذي لا يعرف عن الإسلام سوى تعدد الزوجات وما دون ذلك "فسق وفجور ورجس من عمل الشيطان". أما الابن الثالث "الخاروف" قتيبة (عبد المحسن القفاص) تجري المياه من تحته دون أن يدري؛ فقد تزوج أخاه شاهين (خالد الشاعر) طليقته وأم أولاده بالسرّ. وهنا لا بد من الإشارة الي أداء عبد المحسن القفاص البارد إلى حد ما، فهو مع علمه بزواج أخيه من طليقته التي أحبها كثيراً لم ينجح في نقل شعوره بالإهانة والغدر فجاءت ردة فعله باردة ومجحفة بحق دوره. أمّا زهير (أحمد إيراج) فهو الابن الخامس، طبيب التجميل الناعم والمائع في سلوكه وتصرفاته، ويمكن القول أنّ إيراج أجاد أداء شخصية الرجل غير الغيور على زوجته وشرفه. وهذا النوع من الرجال لم نألف رؤيته في المسلسلات الخليجية أبداً على الرغم من أنه لا يخلو من المجتمع. وأخيراً، الابن السادس معن (ناصر الدوسري) الذي يكون على علاقة بامرأة متزوجة ولها ولدان. وهنا نسأل لماذا تُظهر هبة مشاري حمادة الرجال كلهم في هذا المسلسل بصورة سيئة؟ ولماذا لم تسلم أي زيجة من زيجات أولاد عبلة (هدى حسين)؟

جمعت الراقصة كريمة (نور غندور) ، بطلة المسلسل التي لا يقل  دورها أهمية عن دور عبلة، بين تلك القصص العنقودية فظهرت منذ اللحظة الأولى من المسلسل وهي تغرق في البحر وتروي قصتها. وبدا ذلك المشهد هو بمثابة sneak peak لنهاية المسلسل. أما بالحديث عن أدائها، فكان دورها لا يشبه أي من الأدوار التي لعبتها سابقاً وكان أداؤها تارةً موفقاً وتارةً أخرى مبالغاً فيه. كما أنّ لكنتها المصرية الثقيلة، كونها مصرية مولودة ومقيمة في دولة الكويت، لم تساعدها أبداً على أن تتسم بالسوقية التي يتطلّبها الدور. لكن الجدير بالذكر أن شخصيتها أضفت جواً فكاهياً على المسلسل. وبالحديث عن الفكاهة، لا بد من أن نثني على أداء لولوة الملا بدور رشا، زوجة أنس، التي خلقت كوميديا خفيفة كان لا بد منها في المسلسل وذوّبت الجليد الذي خلقه أداء كل من لبنى (ليلى عبدالله) زوجة زهير، ونوف (فرح الصراف) زوجة معن. فكان أداء الأخيرة تحديداً غير موفق وغير مقنع إلى حد كبير. ففي إحدى المشاهد، تكتشف أن عشيقة زوجها قد تركت ولديها بأمانتها وانتحرت في الحمام. أمام هول حادثة صادمة ومشهد الدماء، لم تنجح فرح الصراف في إظهار انهيارها وبدت تجاهد لتعتصر بعض الدموع. في المقابل، بالغت نور الشيخ في دور "في" زوجة شاهين وطليقة قتيبة، فكانت كتلة من الكآبة والمأساة وتكاد لا تخلو مشاهدها من إظهارها إما مضطربة واما خائفة وإما تبكي وتصرخ.

يمكن القول أنّ "من شارع الهرم" هو عمل درامي مختلف وبعيد عن الكليشيهات المعتادة، وعلى الرغم من غزارة المشاكل التي تتوالى من أول حلقة والتي قد تبدو غير منطقية إلا أنها في الوقت نفسه تشدّ المشاهد لمتابعته ومعرفة المزيد.

 

أقلامٌ  بلا "حبر" قراءة "هبة الحسيني"