الريجيم الثقافي

الصراع في موسم الهجرة إلى الشمال




فاطمة فواز 

(الجيل السادس - ورشة الكتابة الإبداعية)

 

هل كان مصطفى سعيد ثائراً على الإستعمار؟ أم أنه عميل للإنكليز؟

 

إنها الإشكاليّة التي ما زالت تُطرح حول "مصطفى سعيد"، الشخصيّة المحورية في رواية  "موسم الهجرة إلى الشمال" للكاتب السوداني الطيب صالح. كتبَ الطيب صالح هذه الرواية في ستينيات القرن الماضي، أي بعد الاستعمار الإنكلييز لبلده لما يزيد عن الخمسين عاماً. تتحدث الرواية عن التقاء حضارتَين في شخص واحد، وما خلّفه الاستعمار من أثر على نفوس الشعب السوداني خاصة، وبلاد الشرق أو الجنوب عامة، من  ضياع للهوية وتداخل/تضارب في القيم. بعد أن أُرسل مصطفى في بعثة للدراسة إلى القاهرة ثمّ إلى لندن ليصبح محاضراً في جامعاتها، يعود بشخصية غامضة تحتفظ بسرّها ويستقر في قرية على ضفاف النيل حيث ينجب ولدين. يكشف مصطفى سعيد سرّه بعد ذلك؛ أو أكذوبته كما يسمّيها مصطفى من قبل الراوي نفسه.

 

تبدأ المشهديّة الأولى بعودة الراوي إلى قريته في شمال السودان، بعد قضاء سبع سنوات في لندن ونيله شهادة الدكتوراه لأطروحة كتبها عن شاعر إنكليزي. يصف الراوي عند عودته مشاعر الحنين والانتماء إلى قريته وبيته وأهله، ليمثّل بذلك الجيل الثالث في الرواية، جيل ما بعد الإستعمار. يلتقي بعدها بمصطفى سعيد، رجل خمسيني، وسيم وهادئ. يسأل الراوي عن هذا الغريب، فيقال له أنه أتى من الخرطوم إلى القرية منذ خمس سنوات، كان يعمل في التجارة ولسبب من الأسباب قرر أن يعمل في الزراعة. أثار مصطفى حب الإستطلاع في نفس الراوي وأراد التقرّب منه، وبعد عدّة لقاءات بينهما، حكى مصطفى جزءاً من حكايته تاركاً لفضول الراوي التعرّف على مصطفى سعيد التاريخي بعد اختياره لموته.

 

ولد مصطفى سعيد في 16 أغسطس 1898 بالتزامن مع بداية الاستعمار البريطاني للسودان. يتيم الأب، تربطه بأمه علاقة باردة خالية من مشاعر الحب والانتماء، وكذلك مع أقرانه في المدرسة، ولشدة نبوغ عقله، أُرسل إلى القاهرة في الثانية عشرة من عمره ليكمل دراسته، وبعدها بثلاث سنوات إلى لندن. درس الاقتصاد وأصبح محاضراً في الجامعة. كان مثقفاً نهماً، انكبّ على الثقافة الغربية وحاوطها من كل جوانبها، أدخلها في عقله لكنه لم يتذوقها، كانت عنده بمثابة السلاح الفتاك الذي يقتنص به فريساته من النساء الأوروبيات المثقفات "..أفعل كل شيء حتى أدخل المرأة في فراشي، ثمّ أسير إلى صيد آخر".  كانت جملته الشهيرة "إنني جئتكم غازياً في عقر داركم" "جئتكم غازياً... المدينة تحولت إلى إمرأة". أودى بثلاثة نساء إلى الانتحار، إلى أن وقع هو فريسة لـِ "جين مورس" التي لهث خلفها ثلاثة أعوام حتى تزوجها ومن ثم قتلها. عاد إلى بلاده بعد أن أمضى في السجن سبع سنوات. يمكن اعتبار العلاقة بينه وبين جين مورس الأوروبية الأرستقراطية، ترمز إلى صراع الغرب والشرق، المستعمِر والمستعمَر، الفوقية الغربية تجاه الشرقيين المتمسّكين بالتراث والهوية.

 

باختصار، تتناول هذه الرواية بشخصياتها الفرديّة رموزاً لصراع الحضارات الذي ما زال قائماً إلى يومنا هذا. في المحصلة، يبدو أنه لم يعد ممكناً الاستقلال بثقافتنا في ظل النظام الحالي، ولكن هل لا زال ممكناً الحفاظ على ما تبقى لنا من هوية شرقية؟

 

9-01-2023