«دار»: مغامرة بـ «الدفع الذاتي»


في العام الفائت، بدأت الحكاية مع كتاب «بندقية تشيكوف»» هكذا يخبرنا الزميل عبدالرحمن جاسم، أحد المؤسسين الرئيسيين في «دار المجمع الإبداعي». المجمّع الذي يقيم فيه جاسم ورشات للكتابة الإبداعية ضمن منهجٍ أعدّه خصيصاً بالعربية، سيصدر مع جيله الثاني والأوّل خمس مجموعاتٍ قصصية، وكتاباً في التاريخ الشفاهي دفعةً واحدة: «حروب صغيرة» (لبنى سبيتي، هبة مقشّر، حسين عمار)، «شريط بنفسجي» (مريم الدر)، «قناع واحد لا يكفي» (أحمد شيبان)، «نحن لا نبيع الحب في هذا الحانوت» (حسين محسن، زهراء حيدر، صباح عبدالله، دانا قانصو، غدير تقي، مهى بلاغي، فاطمة حرقوص، فاطمة الناصر، زينب زين الدين، كارميلا ابراهيم) و«لا جدوى لساعي البريد» (أسعد ضامن، أسماء اسماعيل، أمل المصري، سهيلة نصّار، سهاد سلّام، لبنى اسماعيل، لما دياب، أليسا حمزة، علي وهبي، إيفا ناصر)؛ فضلاً عن «حكايات ستي» للباحثة والأستاذة الجامعية (ومديرة دار) تهاني نصّار.

يحضر السؤال الأوّل مباشرة: من هو الممول خلف مشروع مماثل، خصوصاً أننا نعلم بأن كلفة إنتاج كتابٍ واحدٍ في لبنان لا تقل عن 1000 إلى 1200 دولار أميركي؟ كيف لمؤسسة صغيرة مثل «دار» ومثيلاتها، لا تقف وراءها جهات مانحة أن تُنتِج كتباً تتعدّى الخمسة؟ «بصراحة بالاعتماد على الدفع الذاتي»، يجيبنا ضاحكاً، «لقد آثرنا عدم الاتكال على أحد في إنتاج كتبنا، فأي جهةٍ مانحة ستحصرنا بشروطها الخاصة. بعض سيطلب منا المشاركة في مسابقات قد يشترك فيها العدو الصهيوني، كما حصل مع بعض المشاركين في إحدى الجوائز العام الفائت. آخرون سيفرضون علينا شروطاً من نوعٍ آخر، لا تكتبوا في هذا الموضوع، لا تكتبوا في ذاك». تخبرنا مديرة المركز تهاني نصّار أن موضوع التمويل يقوم على مشاركة الكتّاب أنفسهم في جزءٍ من الدفع، ثم تتولى «دار» المدفوعات الباقية، والتي قد تصل أحياناً إلى 500 دولار للكتاب الواحد يدفعها متطوعو «دار» الرئيسيون ومؤسسوه.

ماذا عن المجموعات القصصية الصادرة؟ تحضر إلى الواجهة مجموعات الجيل الأول من متدربي «دار»: لبنى سبيتي، هبة مقشّر، وحسين عمّار. يجتمع الثلاثة في كتابٍ مشترك هو «حروب يومية». اختار الكتّاب بأنفسهم عنوان الكتاب. إنها حروب يومية، ليست بالضرورة مرتبطة بالصواريخ والرصاص، بل هي حربٌ للبقاء على قيد الحياة بعقول واعية وأرواح قابلة للحياة. يتميز العمل بأن الكتاب الثلاثة لا يتشابهون في أسلوب كتابتهم. يعلّق جاسم: «أسوأ ما يمكن أن يكون هو أن يخرج متدربوك نسخاً عنك». بدوره، يحضر أحمد شيبان عبر مجموعته «قناع واحد لا يكفي» بأسلوبه المختلف القائم على تقنية «التغاير» (Twist) وروحه المرحة مقدّماً نصوصاً مختلفة تحوي الكثير من المفاجآت لا في النهاية فحسب بل حتى في طريقة اختيار المواضيع ومقاربتها. أما «شريط بنفسجي»، مجموعة مريم الدّر فهي تختلف عن مجموعات زملائها لجهة تنوع مواضيعها وتناولها قضايا خيالية مطلقة، وحتى استعمالها لأبطالٍ خارقين مثل «باتمان» الذي يحضر ربما للمرة الأولى في مجموعةٍ قصصية خارج الكوميكس عربياً. طبعاً، الكتّاب الخمسة كانوا قد شاركوا العام الفائت (مع خمسة آخرين) في إصدار مجموعتهم المشتركة «بندقية تشيكوف».

حضر الجيل الثاني من «دار» عبر مجموعتين قصصيتين. وعلى عادة «ورشة الكتابة الإبداعية» التي تمتد على ستة أشهر (بمعدل أربعة أيام في الشهر، كل يوم 3 ساعات)، تُختتم الورشة بإصدار كتاب للمجموعة التي أكملت التدريب. «بصراحة أنا غير قادر على تدريب أكثر من مجموعتين سنوياً بسبب التزاماتي الكثيرة» يشير جاسم. من هنا كان إصدار كتابين أمراً متوقعاً، فجاءت المجموعة الأولى التي تحمل اسم «نحن لا نبيع الحب في هذا الحانوت»، كنوع من الإشارة إلى العلاقات البشرية التي تصبح في لحظةٍ ما قيداً، ولكن مع الإصرار على أنّها «أشياء لا تُشترى». أمّا المجموعة الثانية والمعنونة «لا جدوى لساعي البريد»، فإنها تحاكي فكرة «الرسائل» التي نحتاج دوماً إلى أحدٍ لإيصالها. لكن ماذا لو لم يكن هذا «الأحد» موجوداً؟ ماذا لو أصبحنا نحنُ سعاة البريد؟ الكتاب الأخير هو «حكايات ستي» للباحثة في التاريخ الشفهي والأستاذة في جامعة LIU تهاني نصّار. تشير الأخيرة: «الكتاب هو عبارة عن مقالات نُشرت في جريدة «الأخبار» ضمن صفحة «مخيّمات» قبل أعوام، وقد أشرفت عليها الأستاذة ضحى شمس، والآن جاء وقت جمعها في كتاب للحفاظ عليها وكي يتسنّى لمن لم يقرأها في وقتها أن يفعل الآن، لأن هذه الذكريات حقيقية وتؤرِّخ لحياة الشعب الفلسطيني من خلال شخصية الجدّة «سودة»». من هنا كانت الحاجة ملحّة لتحويل هذه الأفكار والمقالات إلى كتاب، ثم لاحقاً إلى مشروع تلفزيوني/ سينمائي أو حتى إذاعي لإيصال الفكرة إلى أكبر عدد من الجمهور». وانطلاقاً من أنها في هذا المجال، تصف نصار الكتاب بأنّه «ليس أكاديمياً بالمعنى الحرفي لكلمة أكاديمي، لكنه يحاول الإحاطة بالفكرة، ولا ينقل أيّ معلومة غير حقيقية سواء عن الشعب الفلسطيني أو عن طريقة عيشه أو عن ذكرياته، لكنني استخدمت الدراما في بعض الأحيان لأمور عائلية أو شخصية».

 

*ضمن «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب»، يوقّع أحمد شيبان اليوم الخميس كتابه «قناع واحد لا يكفي»، ومريم الدر كتابها «شريط بنفسجي» والمجموعة الأولى من خريجي «الجيل الثاني» مجموعتهم «لا جدوى لساعي البريد» من الساعة السادسة وحتى الثامنة.

يوم السبت 16 كانون الأول: يوقّع حسين عمّار، وهبة مقشر، ولبنى سبتي مجموعتهم القصصية «حروب يومية»، والمجموعة الثانية من خرّيجي «الجيل الثاني» من ورشة الكتابة الإبداعية مجموعتهم «نحن لا نبيع الحب في هذا الحانوت»، من الساعة السادسة وحتى السابعة والنصف مساء. وتوقّع تهاني نصّار كتابها «حكايات ستّي» من الساعة السابعة والنصف وحتى الثامنة والنصف. تتم التوقيعات في جناح «دار الفرات (G9) »

 

 

الكاتب: فارس فارس
نُشر في صحيفة الأخبار اللبنانية بتاريخ 13 كانون الأول 2018
«دار»: مغامرة بـ «الدفع الذاتي» (al-akhbar.com)